الأربعاء، 25 مارس 2015

مقال يستحق القراءة ... فرض الوجود أولا

محمد فاضل محمد اسماعيل

                       لاحظت في الاونة الاخيرة رغم ما يبدو من افق واعدة ومكاسب متراكمة يعول عليها لافتكاك النصر ، الكثير من زرع الشكوك والتبخيس بمقومات الصمود والمقاومة، “تمراك لصباع” من كل شيئ وطني ، والمخجل انه يأتي احيانا من من يفترض انهم وطنيون لانهم عانوا وناضلوا لأجل وطنهم كبقية افراد هذا الشعب الذي لم يسلم منه اي فرد من المعاناة متذرعين في ذلك بعدم وجود الديمقراطية وفساد القيادة وخراب المؤسسات والقبلية وما الى ذلك، حتى سموّنا المخزن ، وتبعا لذلك من الطبيعي ان يكون هناك من لا يرضيه ذلك فيرد كل بطريقته المتاحة، حيث تتم المواجهة بين من يمدح ومن يقدح بما هو لائق وغير لائق ، ولا أرى فائدة لهذه المواجهات العقيمة ونحن لا نحسد على ما نحن فيه من ارض محتلة وشعبها مشتت، وما احوجنا الى جمع الجهود بدلا من بعثرتها وتشتيتها، ومن ذلك تبينت لي ضرورة توضيح بعض الامور التي لها علاقة بعمق مسيرتنا التحريرية حتى لا نهدر وقتنا وطاقاتنا في “ما لا يعنيه.” وحتى نكون في مستوى مسؤولياتنا التاريخية وما يليق بنا كأصحاب قضية مصيرية وما يتطلب ذلك من روح مسؤولية وموضوعية يجب ان نبتعد عن سبّ بعضنا والتلاكم الكلامي الغير مجدي وبدلا من ذلك نصب جام غضبنا مجتمعين على من ظلمنا واغتصب وطننا وشتت شعبنا، و أن لا ننشغل بانفسنا عبثا، فالنضال والكفاح حق وواجب للجميع لا حكر فيه، بغض النظر عن الخصائص وعاملي الزمان والمكان ، وليس بمقدور احد سد سبله امام اي مواطن فكل من موقعه حسب جهده يبذل جهدا يصب في الجهد العام والحكم الفصل الذي يوشح ويلقي الاوسمة هو الميدان النضالي والشعب، فمن تكرم على الوطن كان كريما ومن بخل بخل على وطنه، إن تاب احسن وان تمادى يحمل وزره على ظهره وحده امام شعبه ووطنه وامام الله، والحكمة في ان لا ننشغل الان بمن تقاعس وانما نتناساه لعله “يحشم”.
اما الانشغال ببعض مناحي الضعف في دولتنا الفتية والذي يجب ان نعمل على علاجه واجتثاثه ان امكن ، لا ينبغي ان نتوقف عنده لانه امر عابر فمكونات دولتنا الان ليست هي تلك التي ستكون في المستقبل على ارض وطننا المستقل وان كانت تمثل نموذجا لبناء تلك الدولة التي نطمح لها، وذلك لاسباب ابرزها:
ـ هي قبل كل شيئ ادارة حرب ومن يدير الحرب ليس من الضروري ان يتقن فنون ادارة السلم ، والحرب لا تزال قائمة.
ـ ادارة مقاومة في المنفى تسيير مخيمات لاجئين تقتات من المساعدات الدولية على ارض اجنبية مستعارة للمقاومة .
ـ ادارة تدبير شأن بعض من الشعب وليس الكل تفتقد لمقومات الأرض والاقتصاد وبعض مقومات السيادة الاخرى.
وعليه فهي ليست الادارة الحقيقية للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على ارضها الحرة المستقلة، لا من حيث المسييرين ولا الأساليب ولا الوسائل والإمكانيات ولا الظروف الموضوعية والذاتية. (لا اتحوصُ اعظم من اعشاكم) يا ناس ،”ام اتوامة اتسابك”. هذه ادارة الجبهة الشعبية التي تقود كل الشعب بكل فِئاته بشتى ألوانها ومختلف عقلياتها بما في ذلك من تاجر وطالب وعامل ومنمي وحرفي الى غير ذلك ، من أجل هدف واحد هو الاستقلال ليس إلا.
ومن بيان ذلك وللتنبيه فقط فهذه الادارة لن تتولى التسيير الاداري بعد الاستقلال لأن الجبهة ستحل نفسها بعد اول مؤتمر شعبي عام في الاستقلال ويفتح المجال واسعا للتشكيلات المختلفة والاحزاب لتأخذ مكانتها السياسية والادارية في الجتمع. وهذا واضح في ادبياتها، ومن لديه فكرة او مشروع في التسيير مقتنع به من الافضل ان يدخره الى ذلك الحين ليكون في محله. اذا الجبهة مهمتها الاساسية هي التحرير وهي لا تتقن سواه ومن الطبيعي ان تكون لها هفوات في مجالات خارج اختصاصها الرئيسي ، وبما انها ادارة حرب ومهمتها قائمة ولم تستكمل بعد ، فنحن لا نستطيع محاسبتها الا على نجاحها او فشلها في مهمتها تلك (التحرير فقط) وما عدى ذلك من مأخذ فهو سابق لاوانه، فحذاري من التسرع فالعجلة زلة، ولولا العجلة “ما قص حد”. هذا لا اقصد به التغاضي عن مناحي الضعف واهمالها ولكن لابد من اولويات في كل اسراتيجية، وانجاز المراحل حسب اولوياتها ضروري ، وتجنت التخمة والخلط في البرمجة والتركيز على الاهم قبل المهم لابد منه، حيث يكون ضمان الوجود قبل كل شيئ بمشاركة الجميع مهما اختلفت الاراء والافكار والتوجهات السياسية (نفرض الوجود بالكم ومن ثم نتفرغ لخلق النوع المطلوب دونما اقصاء) “ما انعودو الطفلة اللي يسبكوها احوالاها”. لا اعني بذلك الدفاع عن اشخاص فهم لا وزن لهم في ميزان القضية الوطنية، وانما اركز على ان نبقى موحدين كلنا على فكرة تحرير الارض وضمان الوجود قبل تطوير او استكمال مؤسساتي او ضخ افكار او وضع لون سياسي معين ، لان الالوان كثيرة والاذواق متعددة ، وتبني لون ما يعتبر تحيزا لأحد مكونات المجتمع ، وبالتالي اقصاء لغيره وهو امر غير منصف وغير مقبول اطلاقا ، والفصل في امره للشعب وليس من المناسب ان نخوض في امور سابقة لأوانها كهذه، ننشغل بها عن تحرير وطننا ونتصارع بيننا خارج مهمتنا الوطنية المحددة التي لا غبار عليها وندخل في دوامة صبيانية وضبابية لا طائل من ورائها لم يحن وقتها بعد “تيبات”، ونبقى ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها “اعش الجرو يلحك من عزة فاش اكب”، كما جرى لغيرنا من قوى تحريرية في بلدان اخرى وما ترتب على ذلك من متاعب دفعت بلدانهم فاتورتها غاليا، وذلك ما يريده لنا العدو “اوحلنا افروصنا”، “او ذاك من زين لخلاك احنا صايبين عنو”. المهم هو فرض وجود دولة كل الشعب الصحراوي على ارضه بغض النظر عن لونها، لان لون الدولة وبناء موسساتها وتطويرها هي مهمة البناء في الاستقلال ، أما التحرير فهو المهمة الآنية الملحة ولا ينبغي ان يكون على حسابها اي هم اخر لا الديمقراطية ولا الاصلاح ولا هم يحزنون، وتصارع الافكار للوصول الى الاصوب والاحسن في التسيير والتنافس على السلطة وعلى احسن السبل لتطوير البلاد وتفعيل المكونات الوطنية تلك مهام مؤجلة الى ما بعد الاستقلال بأحكام التفصيل التكتيكي الاستيراتيجي لتفادي الخلط في المهام الذي يسبب الارتباك والفشل وضياع الاولويات.
كما ان ذكر بعض الانقاص حتى ولو كانت صحيحة في الاوقات الخاصة قد يكون احيانا حق يراد به باطل فلا يساعد على النصر وانما يصب في الصف المعادي ويساعد العدو ولو بصورة غير مقصودة، وخاصة افشائها في غير محلها على شبكات التواصل الاجتماعي ليراها من هب و دب، هدية للعدو يتسلح بها لاضعافنا “النصح في الجمع خديعة”.
وهناك من يطالب الجبهة باتباع سلوكات نخبوية معينة! يا اخوة نحن لسنا حزبا سياسيا نخبويا ومن يظن ذلك فهو لا يفهم جبهة البوليساريو التي هي جبهة تحرير تجمع كل القوى الوطنية الحية دون ما استثناء وبغض النظر عن الميولات السياسية، ومن لا يفهم فاليتعلم قبل ان يدلي بنقد هدام ، لكن المصيبة ان يقرأ بعضنا كتبا ويحصل على حزمة من الشهادات ويخيل له انه اصبح ملمّا بكل شيئ من لحظته وهو لا يزال جاهلا بكثير من الامور التي لا تعلم الا من باب التجريب العملي الميداني ، فيصبح يهذي و”يذري” معتقدا انه مهتدي “امنير” في مجال يجهله، فعليه ان يهتدي قبل ان يضلل الاخرين وهو يحاول الاهتداء.
ينصحون القائد او القادة بما لا يفهمون هم انفسهم ، مستدلين بكلام عام وافكار ملّها مبتكروها، ذلك في احسن الاحوال ، مثل هؤلاء يجهلون الكثير، الله يهديهم والجاهل لا يقود ولا ينصح ولا يحتذى برأيه حتى يتعلم وينضج. وهناك من يحاول تكبيل الناس حتى لا يدافعوا عن قضيتهم بسخافات من قبيل النفاق ، الدفاع عن القيادة، “صفاك” الى اخره ، كلام تفوح منه رائحة نتنة، نقول لاصحابه: نحن نناضل من اجل الاستقلال وفقط الاستقلال ، بدون قيد او شرط ولا نبتغي من وراء ذلك اية غاية خاصة.
نناضل بالكلمة والعرق والدم والمعانات بشتى اصنافها ولا نبالي ، ومن يناضل لا يشترط لنفسه شيئا لانه لا يعول عليها. اقترح على هذا النوع من الناس ،هداهم الله ان يشاركونا في النضال بافراحه واتراحه كما هو مفترض ويتركونا ، ومن كان مؤمنا بهذه القضية فليفعل خيرا او يصمت وليعلموا ان القافلة تسير… رغم المحن.
واذا كانت لديهم افكار جيدة مخالفة لما هو حاصل كما يدعي بعضهم فلينخرطوا في النضال ضمن الشعب ويُقنعون الناس بافكارهم النيرة والجيدة، فإن كانت كذلك يتبناها الشعب ، وإلا “خلوها كيف عيش فندي ال ما يدم اخليه بادام” وليعلموا ايضا ان النصر آت باذن الله ، وما على من تعب وتقاعس إلا الانتظار الى حين ، فان هذا شعب، شعب كريم لكنه لن ينسى. خاصة لن ينسى أولئك الذين اعطوا و لم يأخذوا ، ولم يتقاعسوا لحظة واحدة، ضحوا وناضلوا ولم يشترطوا علينا سوى الوفاء بالعهد و”منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا”، هؤلاء ازفُّ لهم تحية تقدير واحترام وعرفان بالجميل ونسأل الله حسن الخاتمة. وهنا أنبه على انه ليس صعبا على المرء ان يصنع خيرا في حياته، لكن الاصعب هو ان يصنع الخير طول حياته، ولا بأس في من صنعه مرة او مرات ولم يتبعه بالمن والاذى .
ولا يفوتني ان اوضح ان الافكار التي وردت في هذا المقال لا أعني بها احدا بعينه وانما تواجه افكار وظواهر سائدة تشكل عثرة في طريقنا التحريري و هي عبارة عن مزيج من اخطائنا و عمل العدو الموجه ضدنا والذي يستغل كل كبيرة وصغيرة لتدميرنا، “لا إيحوزها حد الراصُ” ان لم تكن هناك “اعظام”. ومن هنا استسمح وبصدق من يخالفني الراي من الوطنيين الشرفاء.
وما هذا الا رأي نابع من قناعتي بضرورة الحفاظ على ركائز المقاومة التي لا غنى عنها لاستكمال المسيرة التحريرية التي هي مسالة حياة او موت بالنسبة لنا، ولا يخفى على احد ما كلفتنا وما ستكلفنا لاحقا، وما يستلزم ذلك من استعداد لمزيد من العطاء في ذلك السبيل. نحن محكوم علينا من موقع المسؤولية وحكم التاريخ والوفاء بالعهد الذي قطعناه على انفسنا امام الله والتاريخ والشعب ان نفنى في هذه القضية بغير رجعة حتى يتحقق النصر او نلحق بمن تعاهدنا معهم ، ومن يعيب علينا ذلك نقول له: لا خير في من لا عهد له وعيب الدار على من بقى في الدار.

الثلاثاء، 17 مارس 2015

النحلة المجرمة

غالي الزبير




قفز من مكانه من وقع الفزع الذي خلفه فتح طفله الصغير للباب بعنف، ثم ما عتم أن استعاد هدؤه وهو يرى شهادته الجامعية التي اوقعها ارضا بعد جلسة تأمل واستعادة لذكريات ايام كان يظن فيها أن حصوله على شهادته سيفتح له الدنيا من أوسع أبوابها..لاحت على محياه المتغضن قبل الآوان ابتسامة ساخرة من أحلامه الموؤدة حين انتبه إلي أن المداد الذي كتبت به شهادته قد حال لونه وأصبح باهتا لطول العهد به.
غير أن وجيب قلبه وتتالي ضرباته التي تأبى ان تنتظم منذ أن قرقع باب الغرفة أمام اندفاعة طفله الصغير ارجعه الى ذكريات ذلك اليوم النحس، الذي لازال يذكر كل تفاصيله الدقيقة منذ أن اهتز الباب بعنف تبعته ضربات مهولة تتالت علي كل انحاء جسمه النحيل من رجال البوليس الذين اقتحموا الغرفة التي كان يقضي بها سويعات القيلولة المفضلة لديه دون سابق انذار، ولم يستوعب ما حدث وهو يرى عشرة رجال تضيق بهم غرفته الصغيرة وهم يكسرون كل ما تطاله ايديهم ويتبادلون ركله باحذيتهم القاسية وحين تمكن من النهوض بصعوبة حلت الصفعات النارية محل الركلات القاسية ودون أن يسمح له بأن ينبس ببنت شفة وسط سيل الشتائم المتدفق كمطر استوائي وجد اربعة من الرجال الأشداء يحملونه بفظاظة ويرمون به في مؤخرة سيارتهم العسكرية.
لم يعرف كم مضى من الوقت قبل أن تتوقف السيارة في مكان عرفه بسهولة .. إنه غابة "مولاي اسماعيل" وحين توقفت عجلات السيارة عن الدوران بصفة مفاجئة جاءه الصوت الهادر يأمره بالنزول وما أن قفز منها حتى كان الصفع والضرب المجنون يمطران جسده دون رحمة.
حين توقف الضرب والركل أبعد يديه اللتين كان يحمي بهما وجه ورأسه، وحينها أبصر عشرة من أصدقائه في حالة مفزعة كان بعضهم ينزف دماً وآخرون قد تورمت وجوههم من وقع اللكمات، في حين كان صديقه عمار يتلوى أرضا من الألم دون أن يستطيع أحد مساعدته، لاشك أنه تعرض لضربة في مقتل، حدث حسين نفسه، وماهي الا لحظات حتى أحس بضربة شديدة تشعل النار في قفاه مما أوقعه أرضا ليرتطم وجهه بقسوة بجذع شجرة صنوبر كان يجلس علي طرفه الآخر بعض ضباط البوليس.
مضت لحظات وهو يتلوى من الألم ثم بدأ يسمع زمجرة عقيد الشرطة وهو يمر على الرجال الموقوفين مهددا ومنجزا تهديداته بالصفعات مرة واللكمات مرة أخرى وهو يقول:
  • يجب أن تقولوا لي لمن النحلة التي تسببت في المشكل؟
دون أن يفهم حسين المسالة صرخ بصوت كالحشرجة:
- النحلة لي... أنا سيدي، أنا ..أنا سيدي.
قالها وهو ينظر نحو الضابط الذي تسمر في مكانه، غير أن حسين لمح عشرات من رجال الشرطة يتركون مواقعهم ويتجهون نحوه وهم يلوحون بهراوتهم وعصيهم الغليظة وكان أخر ما سمعه هو هدير العقيد موجها كلامه للموقوفين:
- اغربو عن وجهي يا أبناء ...........
تبع ذلك وقع عشرات العصي والهراوت على رأسه وظهره وذراعيه اللتين فشلتا في تغطية رأسه ووجه قبل أن يفقد الوعي.
بعد مدة لا يعرف كم هي، بدأ يسمع صراخ يأتيه من بعيد كان أول علامات استعادته لوعيه يصاحبه احساس قاتل بآلام تنخر عظامه وتنغرز عميقا في كل خلية من جسمه، حاول فتح عينه اللتين كانت متورمتين وثقيلتين وما فتئ أن صرخ من ألم اشد حين تعرض لصفعة قاسية من شخص لايراه بصورة واضحة وهو يقول له:
  • وقع على محضر اعترافاتك يا ابن........
بصورة ألية رفع القلم الموضوع أمامه ومرره على الورقة التي كان احدهم يحملها دون أن يميز ماهي وما كتب فيها، فليس هذا الامر بذي أهمية بالنسبة لحسين، المهم ان يتوقفوا عن صفعه على وجهه المتورم كبالونة العيد.
جاءه الصوت الأجش وهو يحمل نبرة الرضا بعد توقيع المحضر:
  • أنتهى شغلنا معك ستبقى هنا وبعد ثلاثة أيام ستعرض على وكيل الملك، عقبال عشرة سنوات على جريمتك يا ابن.....
بعدها جاءه احدهم وغرز ابرة طبية في ذراعه، أحس بعدها بدقائق بالألم يتناقص تدريجيا، إذن هذه مهدئات، لعلها ثمن توقيعه على محضر الاعتراف الذي كتب حين كان في غيبوبة عميقة، أحس بارتياح أفتقده منذ مدة وما لبث أن غاب في نوم عميق.
لم يفق إلا على باب الزنزانة يفتح بعنف أفزعه ولكنه سرعان ما هدأ حين لمح ثلاثة من أصدقائه يلجون الزنزانة في حين كان الرابع يحشو يد الحارس ببعض النقود، مقبلا يده، شاكراً كرمه أن سمح لهم بالزيارة.
أجهش مهدي صديق طفولة حسين كطفل صغير حين رأى حالته ولم يستطع أحد كبح موجة الإنفعال التي جعلته يرتجف كعصفور تحت المطر، فقبع في طرف الزنزانة يبكي واضعا رأسه بين ركبتيه.
قالو لحسين في وقت واحد:
  • كيف اعترفت بشيء كهذا؟
  • انا لا أعرف ما حدث ولا أعرف ماهي المشكلة اصلا غير أنني لم أستطع أن أصبر وأنا أرى عقيد الشرطة يتلذذ بتعذيب رجال أكبر سنا من أبيه دون رحمة فاخترت ان أتحمل عنهم العذاب، ألم تروا عمار وهو يموت دون أن يسعفه أحد، بالمناسبة كيف هو الآن؟
  • عمار بخير ولكن هل تعرف ماحدث؟
  • قلت لكم والله لا أعرف، اقتحم علي رجال الشرطة البيت وحملوني في ملابس النوم إلى الغابة والباقي تعرفونه، ماهي المشكلة؟
  • تعرف أننا جميعا أخذنا صناديق النحل في الشهر الماضي إلى غابة "مولاي اسماعيل" كما كنا نفعل كل عام قبل أن تنضم إلينا وفي ذلك اليوم جاءت الأميرة "لالة منيرة" للتنزه في الغابة وأستفزت عطورها الغالية النحل فلسعتها نحلة مجنونة، فقام حراسها المرافقون لها بتدمير كل خلايا النحل ولم يكتفوا بذلك، بل اتصل مدير الأمن في القصور الملكية بقائد الشرطة طالبا منه التصرف، وحينها قرر أن يعاقب أصحاب المناحل وحين وجد أن هذا كله قد لايرضي ولاة الأمر قرروا أن يعرفوا صاحب النحلة المجرمة، فكان ما كان.
  • لعنة الله على السي منير فهو الذي ادخلني في تربية النحل، والله البطالة والجلوس على المقاهي خير من هذه الحال، كان يقول لي كل يوم "لما تربي النحيلات تصبح تحبهم أكثر من وليداتك...". وفي الخير ما حصلنا غير الضرب والسجن.
  • الأنكى أنك حين تقابل وكيل الملك سيسألك: كيف عرفت أن نحلتك أنت هي التي اعتدت على الاميرة "منيرة" وليست نحلة زيد أو عمر؟ سأله مهدي.
  • وعندها يا صاحبي – أردف سليم مهرج الشلة بنبرته التهكمية المعتادة- ستواجه ثلاثة قضايا دفعة واحدة: الإعتداء على فرد من العائلة الملكية الشريفة والإدلاء ببيان كاذب والتهكم على رجل شرطة وهويمارس عمله بكل شرف.... كل اجاباتك ستقودك إلى خراب بيتك أيها المواطن العزيز!











الخميس، 12 مارس 2015

هاكم ما تكتب المرأة الصحراوية يوم 8 مارس

أنا الموقعة أعلاه , على جبين 8 مارس بحرف بدوي :
طموحي أكبر مما تحمله قفتك لنساء العالم من ( خبز و ورود) صرختي أعظم من هتاف و شعار من أجل صدقة أو منحة . 8 مارس أنت لست عيدي أنت منتحل صفة انت سارق أحلام في واضحة النهار. عيدي بهي الطلعة صادق الوعد مكتمل الآمال و الأماني . من اجل عيدي سال دم الشهيدة النعجة و سيدمي و خناثة و الشايعة و كلثوم قربانا بصيغة المؤنث .من أجل عيدي وهبت فاطمة عياش , مينتو حيدار الدكجة لشكر, الغالية دجيمي الزهرة بوصولة نكية الحواصي سلطانة خيا , فاطمتو دهوار فاطمة السالك عبد الصمد المامية السالك عبد الصمد و سكينة جد اهلو عائشة الشافعي و .... نساء ماجدات وهبن أجمل مراحل اعمارهن لعتمة السجون و امتشقن العزم و العزيمة لفقإ عين العاصفة الغاصبة وشق الغيمة السالبة ليشع نور عيدي . عيدي هو يوم حريتي و استقلال وطني
فاطمة احمد من المناطق المحتلة الصحراء الغربية ...

الاثنين، 2 مارس 2015

مواكب النجوم...



الشاعرة و الكاتبة
نورة سعدي


تسقط من القمة إلى القاع
من الحب إلى النفور 
من وله كنت أرصدك به
إلى لامبالاة أقذفك بها
أنا لا أتمسك إلا بأهداب العلي
ولا أبحر إلا على جناح سندباد
سأنسى الحكاية
أطوي أشرعتي
و قد تقزمت بطولاتك 
يوم كنت السرو
علمتني ما في السمو من شموخ
يوم كنت الطفولة
علمتني ما في البراءة من حنان
يوم كنت البحر
علمتني ما في هدوء الأعماق من كنوز
يوم كنت العقل
علمتني ما في الرصانة من جلال
الآن تلبد وجهك
سكنته الهموم والرغبات
تقاسيمه لم تعد تحمل إيحاءاته العتيقة
لم تعد تبشر بالمطر في مواسم القحط
بالخصوبة في مواطن الجدب
و بالحلم في مرابض اليأس
من لي بمعجزة تجبر كسر حلمي
فيرفل الربيع في دروبي المقفرة
و يمسح عن أيامي رتابتها الضارعة
كأن تعبق زهرة في حقول شتوية
و تسطع نجمة في سماء بيضاء
و يحل الإيمان في قلب ملحد
فيا أنت كف عن الصعود إلى القاع
و التجديف ضد التيار
وحاول أن تكون همسة علوية
فكرة عميقة
عاطفة ملتهبة
 و حدثني بلغة المدار الآخر
لغة الفلك الآخر
لغة الكوكب الآخر
واغرني بموعد في مواكب النجوم!
منقول عن "صحيفة الفكر"