الاثنين، 31 أغسطس 2015

تحريك الاسباب...

بقلم :حمدي حمادي

هناك من وراء الآكام تختبئ آلاف الاحلام...
كما تستتر وراء الانواء آلاف الاجرام...
تسطع و تلمع تتمنى ان يصل نورها الى مداه...
كحلم يرنو ان ينال مبتغاه...
هنالك في اللّجوء آلاف القلوب التي براها الصبر و نحتتها بمداها يد الدهرهناك في "الحمادة" صحراء الصحاري!!!
اين انبتت قوة المقاومة نوع من الشعوب...
قهر القهر و هزّ قلاع الصبر...
لم تحنه زوابع الرمل و لا شحة المطر لم يدجنه جفاف قلس و لا زمهرير شمس...
من يستطيع ان يعيش هناك اكثر من اربعين سنة في خيم...؟
من يستطيع ان يعيش في ارض تسمى "ارض القمر"
كانما هي اراض من كواكب أخر ؟؟؟
هناك نسب شعب الى الصحراء لتكسيه صفاتها فسمي الشعب الصحراوي ...
هناك في تلك الظروف القاسية تنبت اجيال جديدة غرست بذرتها هناك و سقيت و تعهدت هناك و مدت جذورها لتحيا في ارض اعدت للممات...
تحيا و تقتاة على اليقين في وعد سامك السماء بلا عمد...
على القناعات الثابتة ان وعد الله حق سيأتي و لو بعد حين...
لا ينقصه الا تحريك الاسباب...!!!
قال تعالى:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ( 39 ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ

الأحد، 30 أغسطس 2015

كتاب جديد يصدر من مصر عن القضية الصحراوية

صدور كتاب جديد يكسر الحصار عن القضية الصحراوية        في الدوائر العربية  " قصة رحلة و ان طال السفر"  للكاتب المصري "محمد غزلان"
 

رواية/ نبضات من الصحراء الغربية...

بقلم : حمدي حمادي

النبضات....

            كيف يمكن ان ابدأ في تلاوة هذه النبضات , التي آن لها ان ترتل, كيف يمكن ان يبلغ بي الغرور ان اكتب نثرا لما  لا يصح الا للغة الشعر... الحرف هنا لغم , يجب ان تعرف كيف تدسه, و الكلمة حمامة بادية , حساسة طيارة , و الوصف  اشبه بسقوطك في اعماق نفسك و عقلك كصيادي اللؤلؤ  و الكنوز , تغطس و يبقى التوفيق للاقدار!!!
            لست ادري كيف املك الثقة في النفس , في ان اصف و انقل حقائق لو لم اكن عشتها , لاقسمت انها اساطير و اباطيل و مبالغات !!!
           و اخوف ما اخافه ان اورط نفسي فيما لست له اهل , و كيف اكون اهلا لسيرة عبدت بالآلام و المعاناة و رصفت بالجراح النازفة بالدماء الزكيات ؟؟؟
           ايمكن ان يصدقني احد , حينما احكي عن جيش من المقاتلين , او قل المجاهدين  من المتطوعين...! , من المتورطين في امتهان التضحية  , من المتهمين بأنهم  يضعون ارواحهم  على اكفهم فداء للحرية و الاستقلال ,  بلا رواتب و بلا نياشين!!!
          ان اغلب الذين يكتبون , او يدوّنون ,  انما يقرضون من الابطال بطولاتهم و مآثرهم , ثم يردونها اليهم , لذلك يُتّهمون بالمبالغة , لان البضاعة قد صبت في قالب جديد , غير الذي كانت فيه...و عجز هؤلاء عن احضار اللّحظة , يجعلها تنتقل من الواقع الى الخيال , الذي يكون فيه تأثير شخصية الكاتب مهمة جدا في الحكم على اي منتج فكري !!!
       ان الفؤاد ينقبض حينما اتذكر  المقاتل عبد الله , و  لعل آخر لقاء كان بيننا عندما لمحته من بعيد , فشلت غمامة  السوق و غبار السّيارات ان تخفي عني ملامحه و هيئته المنتصبة  , بقده الذي اقرب للقصر منه الى الطّول , واقفاً وحده تلازمه كظله حزم من امتعة الظَّهر الشبه العسكرية المغبرة , كأنّه وافد من جزر بعيدة , مشتت النّظرات , ينظر في المارة التي لم يعرف منها احدا , و ان كانت  تشبهه في كل شيئ , الا الملامح  التي خطتها يد القدر.                                      
      ينتظر سيارة اجرة او احد المعارف,  الانتظار الملعون !!! الذي انطوت له
 و انثنت قسمات الوجه , دون ان يعنيه في شيئ  صبرها على وضعها المرفوض ,  او يرق للوجه الكاسف , الذي يفضح على وجنتيه المرارة و الاستياء .
ذلك الانتظار العنيد الذي لا ينتهي قريبا بقدومه لخيمته في مخيمات اللجوء... 
           بل يصر على البقاء حائلا , دون الوصول الى بيته في وطنه , كالشّبح و كالجنّ , يمنع الخوف من تجاوزه قلّة الايمان و ضعف العقيدة , و ان كان يقينا ليس الا وهما و خيالا , متجاوزا لا محالة  الى الحقيقة الصارخة بامواج صوت اصبحت اقوى من تسمعه الآذان المصابة  بثقل السمع ...
        تركت عبد الله عند خيمته و هو يستقبل من نساء , خرجن في ادب جم و هدوء و استحياء , لكن البشاشة و الهشاشة التي بدت على وجوههن , تقطع بنارها دائما قيد العرف الاجتماعي , الذي لا يزال يمارس عادة الوأد , لمثل هذه اللحظات العاطفية الجيّاشة , العابرة كالبرق في حساب الزمن , المعمرة نقشا في ثنايا الذاكرة و الوجدان...!


الشهداء..

             لن اترك عبدالله هنالك , بل ساصطحبه معي في سفر الى الماضي و الذكريات الى هنا في جبهات القتال... حيث الخط الذي يختبئ وراءه العدو , تراه العين من بعيد يتلوى و ينتحر على رؤوس الهضاب و السفوح و الاودية كأثر افعى , خطا رقيقا غريبا , كأن الارض تقيأت صديدا و كأن جرحها ينزف ... كنت مع عبد الله نستطلع عن قرب بالمنظار المكبر قواعد العدو العسكرية و نرصد اي حركة غريبة... 
                   ثم بدأنا ننزل من مكان الاستطلاع , المعد باتقان ... بعد سنوات من التجارب و الخبرات المتراكمة لهؤلاء الرّجال الاذكياء التي يقدمونها بسخاء و كرم للوافد الجديد , تلك الممارسة و ذلك الطّبع المتأصل في الّنفس الصّحراوية , الذي لم يكن الا امتدادا طبيعيا لما يحيط به , و ابرز المظاهر شجرة الطلح , التي تقدم ظلها و دفأها و صمغها و ورقها و خروبها و جذورها و حتى بعد موتها تهدي رفاتها حطبا مفيدا للحرق قربانا لطقوس الكرم هذه.
                  نزلنا الى الشجرة الكبيرة الكريمة , شجرة الطلح التي تلتحف بورقها الدائم الاخضرار , مثلها مثل لباس اي امرأة صحراوية , و التي هيئت لتكون بيتا للمنام , بيتا للطعام ,لاحاديث البطولة و تخطيط الهجمات ,,, و لا تزال بقايا اشياء شهداء رحلوا ,,, تحتفظ بها هذه الشجرة و تورثها من شهيد لآخر , لا تمل الافواه من تكرار مناقب اولئك الشهداء و كأنهم باقون بينهم , لم يصدقوا بعد برحيلهم ,
                 كيف ينسون من قضوا معهم عمرهم و صادقوهم و تعاهدوا على تحرير الوطن ....,
                عهدا بينهم لا يحتاج الى كلام , تسطره وقائع الفداء و التضحية , كل يفدي الآخر بروحه , و كم استشهد اصدقاء جملة من اجل ان ينتشلوا جثة صديقهم ...! او يستنقذوا جريحهم....!, كيف ينسوا من كانوا مدفن اسرارهم و موطن ثقتهم ...؟؟
                  اولئك الصحبة الذين يتمنوا من فرط حبهم لرفاقهم , ان لو رحلوا معهم و لم يُخَــلَّفوا  وراءهم يوما واحدا........ ,

 و كم وُجِدوا هائمين , قد اسودت الدنيا في اعينهم بعد فراق احبتهم في ساحات الشرف و معارك الكرامة ...!
                 و سيتحول تلقائيا عبء  أسر الشهداء الى اخوانهم الباقين , امانة و عهدا و وفاءً ...!

                  يزورون اسر الشهداء  لمواساتها و هم في الحقيقة احوج للمواساة , يزورونها الآن وهم ليسوا معهم...!!!
              و يصيروا هم ظلال اولئك الآباء و الابناء و الاخوة الشهداء , منهم تفوح رائحتهم , و في وجوههم تتراءى صورهم و طباعهم و اخلاقهم.....؟!!!
                تحت هذه الشجرة الوارفة تتقد القلوب و يتطاير الشرر من العيون و يكون للرغبة الجامحة للموت في سبيل الوطن معناً و مدلولا...تعجز عن وصفه الكلمات!!!
             تحت هذه الشجرة كل هؤلاء الرجال يتحملون الامانة في ارجاع أسر الشهداء الى الوطن بكرامة و عزة , هؤلاء الرجال ليسوا مقاتلين و حسب بل شهداء ينتظرون شهادة الوفاة...!!!
                 هنا يكمن سر الصمود , هنا تكمن اسرار البطولة  و  الشجاعة , هنا يقبر الخوف حين تهون الحياة في سبيل الموت...!!!

                هنا تحت هذه الشجرة و في كل تمركزات للثّوار , تتحول الرّتب الى حِمل و يصير البحث عن الماديات خيانة و عار و غدر ...
                مع هذه العزائم الصلبة و التضحيات الجسام , تختفي لغة الارقام و تشل التحاليل و تفسد الخطط و يكون النّصر اسطورة تتكرر و تتجدد مع استمرار الحرب...!!!
            لا يمكن لانسان ان يفهم معنى ان يهزم جيش لا يزيد تعداده عن 20 الف مقاتل متطوع كأكبر تقدير , جيشا جرارا تعداده 250000 جندي كلاسيكي , و يتركونه يختبئ وراء جدران الذلّ و العار ,,,

لن يفهم ذلك احد لم يعش بين هؤلاء الابطال ,,, 
الذين يفترشون الارض و يلتحفون السماء...     
              ربما ان القارئ الذي يتتبع بعقله و جوارحه  حينما نبدأ الكلام عن الشهداء و الانتصار , يظن ان نهر تدفق الكلام بدأ يصل نهايته , و لكن الحقيقة اننا انما كنّا نحاول وضع قدم القارئ على  خط الانطلاق في رحلة سباق مع المراحل المتسارعة المتلاحقة لتلك الملاحم التي نحاول تتبع فصولها!!!
             ولا يمكن بأي حال من الاحوال  لاي منصف ان ينقل حكاية الانسان الصحراوي باحترام و امانة  دون ان يكون في جو تلك  الشحنات المتفجرة  من العاطفة الجياشة و ذلك النَّقاء في الخُلُق و الصَّفاء في السريرة...


تحريك الاسباب...

          في جَوٍ  الصدق فيه لا يزال يلبس رداءه الابيض الذي لا يتقبل الدّنس...
و الوفاء يعني ان تقطع اربا اربا دون ان تحيد عن كلمتك أو تتنصل عن  قناعتك ...
 و الشجاعة و البطولة شأن داخلي يخصك وحدك تعي ان معناه ان تلحق بالعدو اقصى ضرر تستطيعه...
           زمن لا تزال القيم الانسانية العظيمة عند الانسان الصحراوي مصونة نقية  لها لونها الاصلي و رائحتها الزكية و طعمها الحقيقي...
          في وقت لا تزال الرّجولة معناها حمل السّلاح و تولي المعاناة و ركوب الصعاب و امتطاء المحن  و المآسي... 
معناها ببساطة ... العصيان و الكفر بالمستحيل ...!
         فيه الرجل رجالا ... و المرأة رجلا ... و الطفل فتى...و الشيخ شابا ...كل اجتاز حدود قدراته و لا غنى عن دوره و مسؤولياته الجسام ...
      في ذلك الطقس الذي تلبدت فيه الغيوم و اسودت , و قصفت فيه الرّعود و عربدت و ضربت فيه البروق و اشتدت...
في ذلك الجو الصاخب , فيه  ضجة المشاعر في الصدور!!! , تطغي على اصوات ولولة  الرصاص و قصف الطائرات ....
و كلّما زادت حدة الظّلم و ضاقت الظّروف ... ارتفع سقف التّحدّي و اتسعت في القلوب مساحات الاصرار....
في معنويات صلبة و اعصاب فولاذية قل نظيرها و ندر مثيلها!!!
           في الستينات , سنوات القحط المتواصلة انقطع القطر و جفت جذور الشجر , و لم تعد الاشجار صالحة الا كحطب , هبوب العواصف الهوجاء الجافة , وفرت الحراك بين الجذوع اليابسة و اصبح اشتعال النار قضية وقت , كانت الشرارة... قدر مقدّر !!!
           هل يستطيع احد ان يقول اليوم انه حرك القدر ؟
                      بقايا الابل التي نجت من الابادة التي قامت بها القوات الفرنسية و الاسبانية بعد عمليات اكفيون . حيث قضي على 75 في المئة من الثروة الحيوانية . بقايا تلك الابل لم تعد تجد ما تقتات عليه , ها هي تساق الى المدن مثلها مثل مالكيها و حول تلك اشباه المدن تتشكل احزمة من الخيم السوداء من الفقر و الفاقة و المرض , احزمة من الغرباء ...
                   قطعان الابل التي كانت تهيم في الصحراء لاهية , ها هي تحبس في زرائب , لتقدم لها اكياس من الدقيق او حفنات من القمح المستورد , تعرف انها تنتظر الذبح , المصير لم يعد مجهولا ...يرى الحيوان ما لا يراه الانسان , كانت بداية الاقتراب من المستعمر و لكن السكان الاصليون اليوم هم الغرباء ...
             و كأن الله جمع السكان ليستلموا ارضهم .

               بدأ الكثير منهم ينحرط في القوات الغازية ليتعلموا استعمال الاسلحة الجديدة , و بدأ آخرون يتعلمون سياقة السيارات و العمل في المصانع و كأنهم يهيؤون ليعرفوا العالم المحيط بهم حيث بدأ الكثير منهم يرسل ليتعلم في المعاهد و الجامعات الاجنبية ...
             لم يكن الصحراويون نازحين الا مؤقتا بسبب الجفاف و قلة الحيلة... و ظلت روح الرفض للمستعمر ثقافة و طباعا و دينا مترسخة لم تخبُ يوما ... كانت جمرا مشتعلا و ان غطاها رقيق طبقة الرماد...
             زادها وعيهم بالاستغلال الجشع للثروات من فوسفات و سواحل غنية بالثروات السمكية و التي لم ينعكس ريعها على حياة المواطنين , القليلوا العدد و غذتها الفروق الشاسعة و الجفاء بين النظام الاستعماري الاوروبي مع الحياة العربية الاسلامية و حركات التحرر المجاورة ...
            كان الاسبان اغبياء ... قليلوا الايمان لم يفكروا ان قطع الارزاق لا يمكن الا بعد الموت ... ارادة الله لا يمكن معاندتها ...
لا يفصل عن استجابة الدعاء الا ستارا رقيقا يسمى الاسباب ...

             نعود الى عبد الله , حيث كان يتحضر للذهاب في مهمة كانت تلك هي الاوامر زمن الحرب , لا يقال لك اين انت ذاهب و لا يحق لك السؤال ...
           المقاتل في جبهات القتال بعد ثلاثة اشهر يحق له الاستراحة لمدة خمسة عشر يوما , حيث عادة ما يذهب الى المخيمات في اطار مجموعة من كل كتيبة افرادا , يراعى في ذلك الظروف و الاحتياجات , حتى يبقى غيابه لا يؤثر على العمل القتالي ...
           لكن عبد الله كان استدعاءه الى "مهمة خاصة" و هو امر مستعجل , ودّع الجميع , هاهي  السيارة التي ستقله , تنتظر و لم يطفئ السائق المحرك حتى!!!
 السيارة من وزارة الدفاع مباشرة العلامة في خلفية اللوحة تفضح قليلا من السر ؟؟
            بالاحضان و الدّعاء ودّع الجميع عبد الله الذي وضع حزمة اغطيته المربوطة  باتقان  و حقيبته في مؤخرة السيارة و قفز برشاقة الى الامام , اغلق باب السيارة المكشوفة ككل سيارات الجيش الصحراوي "ادريميزة" و انطلقت السيارة , التي ظل صوتها  يبتعد شيئا فشيئا , و كلما ابتعد الصوت و زاد رقم المسافة , و زادت اعداد علامات الاستفهام حول مهمة قد يبدو انها من وزارة الدفاع ؟؟؟
         

شخصية المقاتل...              

   ها هو  المقاتل عبد الله و جها لوجه مع   وزير الدفاع مباشرة , كان  لقاءا حميميا دلّ عليه  السّلام الطويل , و لكنه من ناحية المعلومات شحيحا , مقتضبا , ظلت  ملامح الوزير تبدي اعجابا و تساؤلا غريبا ! , لم تستطع الصرامة المصطنعة  و الصمت المتأمل الهادئ الذي يجيد  الصحراويون تقفي اثره  اكثر من الكلام نفسه ,  و لا الجدية من اخفاء تلك النظرة الفاحصة التي يختلسها الوزير الى وجه عبد الله بين الفينة و الاخرى ؟؟؟,

              الانسان الصحراوي الذي وهبته البداوة برحابتها  و الصحراء بشساعتها و هدوئها  و الاختلاء بالنفس لمساءلتها و محاورتها و امتحانها , عبر تراكمات من السنوات الطّوال , ملكة  "حدة الحواس" ,  حيث كاد ان يسمع دبيب النّمل , و كاد ان  يرى بقوة بصر الابل , و يحس بابسط تبدل للمحيط  و الاشياء حتى و ان لم يرها او يسمعها و تلك الذاكرة التي تخزن الشعر و الكلام و المواقف بتفاصيلها من اول سماع و اول رؤية  و تلك الاستجابة للعقل السريعة في التحليل و التمحيص  , تلك القدرات تخلت عنه كلها , خانته قدرة السمع الفائقة عن التقاط كلمة من هنا او هناك , او ان يرى ما يدله على اشارة لهذه المهمة...خانته و تخلت عنه تلك الملكات العجيبة المميزة  التي لا زال  يمتلك منها "ج" الكثير , و التي زادتها تجربة الحرب الدروس بقساوتها و مفاجآتها و خدعها و مكرها و صبرها , و لم يشفع له  اتقانه  قراءة  تفاصيل ما بين الكلمات و المعاني في تلك اللهجة "الحسانية" التي يتقنها جيدا ...
          كانت الرسالة التي سيذهب بها الى الرئاسة بين يدي الوزير جاهزة  , لكن قبل ان يسلمه الرسالة , اتصل  الوزير بشخص , امرا :
ان تعالى بسرعة...
        اعتن بهذا المقاتل , في المساء يكون هنا , رسالته جاهزة ...
            انطلق عيد الله مع صاحبه الجديد , الى الاستقبال , و ارشده الى الحمام للاستحمام , قدم له منشفة و رزمة من ادوات النظافة , و زوجين من كل الملابس العسكرية الجديدة و لثامين جديدين , و حذاءين عسكريين و نعال  و بعض الاغراض من هذا القبيل و قال له اعتن بنفسك , انا هنا في انتظارك , دخل عبد الله المنهك من هذه المفاجأة و ليس قطعا من السفر فهو معتاد على الاسفار , لم ينزل يوما عن سيارته ... التي كانت اولى السيارات التي تقدمها ليبيا الى الجيش الصحراوي...
            لا تزال جديدة في هيكلها و محركها و ذلك للعناية الدائمة التي يوليها , لها عبد الله حتى ان عجلتها الاحتياطية لا تزال لم تستعمل بعد في غطائها الذي صنعه لها هو بنفسه...
           كنت واقفا اتأمل تلك السيارة عن بعد , حيث ان و ضيعية ركنها كانت تنم عن خبرة , من ناحية الاتجاه و سهولة الحركة في حالة المفاجأة , و  القرب من الشجرة  لحمايتها من اشعة الشمس و هبوب الرياح  و من اتجاه السلاح الذي كان يرفع شارة النصر , كانت اكياس الذخيرة موضوعة بالقرب في اسهل وضعية للاستعمال و التحميل  , التفاصيل داخل السيارة تنم على نظافة , و ترتيب عجيبين و تنم عن نوعية شخصية المقاتل الصحراوي النّوعي , الذي يهتم بأدق التفاصيل و يتعامل مع الاشياء كاملاكه الخاصة...
      كنّا نترقب صلاة المغرب كالعادة للقيام بالعمل العسكري الروتيني ككل ليلة...
                    فحينما تأوي  الطيور الى اعشاشها , و يطير آخر عصفور ماكر الى وكره الحقيقي الذي كان يداري عنه بعيدا , و يصَفِّر العصفور الزّقّاق , صفارته الاخيرة معلنا  طيّ صفحة  النّهار , بعدما اتم قراءة تفاصيل معركة البقاء بين العدوين الليل و النّهار في صفحة السّماء  و عندما تبدأ يد الليل تمرر بريشتها  لونها الاسود الــثّقيل القاتم كــدخان اسود , عندها  ينسحب آخر فرسان النهار البيض المثخن بالجراح ملطخا صفحة المساء بالوان حمراء غبراء كلوحة طبيعة زيتية.
           كنّا نتأمل  تلك المعركة من حروب الخير و الشر المتواصلة ... و ان خيم الليل , فاننا كنا على يقين ان النّهار سيأتي لا محالة و ان ذلك الفارس الشّهم سيتعافى و لا يلبث ان يعود ليهزم فلول الظلام...
 سنّة الحياة ... سيغلب الخير و سينتصر مزيلا اثار الليل البهيم...
           بعد قليل سوف نضيئ نحن ايضا  سماء تلك التلال اين يختبئ العدو , بوابل من القذائف و كبب اللّهب , و ستكون سيارة  التويوتا التي تحمل على ظهرها الرشاش 12,5 ملم  التي يتقن المقاتل الصحراوي الرماية به ... يستعمله كسلاح فردي كبندقية "كلاش انكوف " تماما.... يقتل به الافراد و ان كان اعد تصميمه للحماية الجوية و تحطيم  الدروع المتوسطة التدريع....يتبع
           

           الشاي الصحراوي...

                     الليل و الشتاء في مخيمات اللجوء , كجناحي طائر يحلقان بك , لهما طعم خاص و مميز , ها هو عبد الله يجلس في سعادة لم يحس بها في العمر من قبل , و هو يعد الشاي , كانما يجلس فوق ربوة او فوق جبل , احساس بالعلو و الارتفاع  و التحليق , كان كأنّما يتلمس شيئا جميلا داخله , لا يراه رأي العين , غير انه يحسه قريبا من شغاف القلب , عميقا في الداخل البهيج , يفجر في داخله احاسيس مختلطة , عذبة من الاشعاع الروحي , صوت الشاي المتنقل بين الكؤوس في تدفقه العفوي , المنتظم , كالنقر على زر بيانو , يصدر صوت شلال ,
            لمذا لم يختر الصحراويون للكؤوس الا لوناً  شفافاً مثل نياتهم و صفاء قلوبهم ؟ ِلمَ ثبتوا مع نفس نوع الكؤوس عبر تعاقب السنين؟؟ لم ذلك العهد رغم الاغراءات و تطور صناعة الزجاج بكل هذه الاشكال و الالوان؟؟ لمذا بقوا ثابتين عليه  مثل عهودهم مع ما يميزهم؟؟ ربما قيمة الاختلاف عن الغير , و حب البقاء في حضن العادات و الاعراف الحكيمة , و كأنه احتضان و شوق و توق للقديم البهيج المغبط , و يقول المثل الحساني " العادة كالشرع "
      لمذا اختيار الكؤوس المتساوية , كاسنان المشط , ربما الرمز لحب  للمساواة ضف الى ذلك ان الجميع في حضن  و العدل و العهد و البساطة ,,قيم تجسدت عن قصد و عن غيره ,,,في كؤوس الشاي هذه ,,,
        اسئلة كان يفكر فيها و هو يتفرس في تأمل , الرغوة التي تستقر في جمال فوق الشاي , و كيف يمكن ان يجد تفسيرا للبياض الذي يطفو فوق الشاي , كان يبتسم وحده حين فكر ان انتاج الرغوة النقية , لا يمكن من شاي شابه شيئ آخر, كان يفكر في الطباع و العادات الدخيلة, عندما قطع عليه سيل افكاره التأملية صوت الشاي الذي فار في البرّاد,,,
    الشاي ذلك المشروب الساخن الذي يشربه الصحراوي , و هو في ساحة الوغى 
و في اصفى اوقات الاسترخاء,, ان تقديم الشاي و حتى طريقة التقديم نفسها لها تعبير ان الشخص مهم او غير مهم ....الخ ,, هذا المشروب يتغلغل الى كل شيئ في حياة الصحراويين,,,الى ابعد الحدود.
    جهز عبد الله الشاي و قدم كأسين , كان احدهما للزوجة و الآخر لضيفة غالية أخرى , كان الاستدعاء للمقاتل عبد الله من اجلها هي بالذات و بامر منها لرئاسة الدولة...!
 يجلس عبد الله في بيته يعد لهما  الشاي تاركا سلاحه , في الانتظاره في المركز الخلفي و سيارته في الخطوط الامامية لجبهة القتال...


   رفيق العمر...

                كانت هذه المرأة الضيفة العجيبة ,  تذكره بصديقه احمد , تلك الصداقة  تلك المميزات العظيمة التي كادت ان تكون  في زمننا هذا اشبه , بالخيال او الاساطير ,,,       
          حبّ الرّفاق , الحبّ الصّافي الذي يدوم مادمت حيا و يدفن معك , تلك  الزوارق التي ترسو لنفس الشاطئ و تفرغ حمولة النفوس  لبعضها بامان , ثم تنطلق , كل الى بحره و محيطه , خفيفة نشطة ,,,
          كان ل عبد الله صديق لصيق , لا يريان الا  كعصفرين,  يتنقلان بين منازل الاهل و الاحباب , لا يفترقان ابدا , الا عندما يسافر صديقه الى جزر الكناري للعمل , عندها  يغادر عبد الله الى البادية ,,,
        غير ان آخر مرة لم يستطع صديقه القدوم , لمرض الم به , و انقطع الاتصال , فثقل الحال على عبد الله   و  قرر ان يرحل لعيادته في الجزر,,,
كانت السفينة تمخر به عباب البحر , و سفينة اخرى تسبقها تجري في خاطر عبد الله
ما به صديقه ,,,؟.
 و اي مرض حل به؟ 
و كيف هو حاله  الآن؟
          و ترى كيف ساجده و كيف سيقابلني ,,,؟؟
لم يستطع النوم تلك الليلة ,,, و كان عليه ان يغير الحافلة مرتين الى البيت الذي يسكنه صديقه احمد,,,
             مرافقه  الذي كان معه اعتذر عن النزول معه , لانه لا يستطيع ان ينزل لان الوقت تأخر , و لكن عبد الله طمأنه انه يحمل العنوان الذي كتبه له ... صديقه احمد يوما في رسالة من تلك المراسلات التي كانت تجري  بينهما و التي كان يأتي عبد الله خصيصا من البادية في نهاية كل شهر ليأخدها من دار خاله في "الداخلة",,,
      لن يمض الحال طويلا  ب عبد الله في جزر الكناري فقد كان الوقت متأخرا جدا كان الصمت يلف البيت الذي دخله , اثنان من الرفقاء يشربان الشاي وحيدين , و لما فتح الباب سلما عليه بهدوء , و كان قد جاء مندفعا فرحا , غير انهما كانا شاردين قليلا و ادخلاه الى البيت , ،كأنما يدخلانه الى مأتم او الى قبر , كان يسأل هل يقيم احمد هنا انا عندي هذا العنوان , قالا نعم انه العنوان بالضبط و احمد , في هذا البيت و اشارا الى احد البيوت,
       يستلقي احمد  و حيدا في البيت هيكلا و جثة , ممددا , شبه نائم ,,,
      احمد...! الذي كان يضج حيوية و نشاطا و نضارة ,ها هو كورقة خريف خفيفة اسقطتها اوهن  النسائم,,,  نحيلا نحيفا اصفر الوجه خدوده حادة و عيناه  غائرتان فاقدتا اللمعان , و فمه يكاد لا يميز ...
كان بعض الذباب يدور في حلقات في وسط الغرفة  و رائحة النوم و قلة التهوية تصيبك بالغثيان ,,, اغطية تبدو كانها لم تبدل منذ مدة ليست بالقصيرة ,,,
      فاضت عينا عبد الله بالدموع تدفقت و سالت ساخنة و حدها كالشلال , و صعدت كومة و شحنة من العواطف كانت اكبر من ان تخرج غص بها و علقت هناك في حلقه...
اقترب عبد الله  من احمد الممدد ,,, التفت احمد الى الجلبة ببطئ شديد , و رأى عبد الله برقت عيناه قليلا ثم امتلاتا بالدموع ,,,, و لكنه لم يتحرك و لم يتكلم ,,,
اقترب  عبد الله المفؤود من صديق عمره احمد, و ضمه الى صدره ضمة حارة ,,, 
    و بدأ يسلم عليه و العينان تمطر ,,,
                   
اللسان و الثورة...

  قدم عبد الله الشاي الى كليهما الزوجة و الضيفــة التي تمازح زوجته, ذات لكنة الجنوب الموريتاني, يضحك زوجته اسلوب الضيفة في الكلام , الذي يشبه حسب رأيها كلام جدتها ....
         كان الاختلاف بينا في اللهجة الحسانية حسب مناطق تواجد البيظان , و نتيجة تغير المستعمر زاد الاختلاف اضافة الى الجيران اين يكون التأثر واضحا خاصة في الجوار , الشمال الصحراوي مع الجنوب المغربي في قضية التأنيث و التذكير التي قضت عليه الثورة تقريبا و بشكل تلقائي بسبب الانصهارات بين اطياف المجتمع  و كذا التأثر بالجنوب الجزائري و ان كان اقل حدة ناهيك عن التاثر بالسنغال و مالي بالنسبة لبيظان موريتانيا و مالي ,,,
         اللهجة الحسانية البدائية  تغيرت كثيرا في مخيمات اللجوء , تلك اللهجة جندت فيها كلمات كثيرة من اللغة العربية الفصحى  الحديثة او الاسبانية او حتى الليبية و الجزائرية , و البست ازياء و قوالب جديدة,,,
           قوة و حماس و اندفاعية  الثورة الصحراوية خلقت عندها  شخصيتها القوية , التي كانت لمساتها تطغى على كل شيئ , حتى طريقة الكلام  و هدف الكلام و موضوع الاحاديث , التي يغلب عليها الانشغال و الهموم التي  يعيشها الانسان الصحراوي ,   و اغلبية الكلمات المستعملة كانت تعبر عن المرحلة , الحرية و الاستقلال و الشعب و التنظيم , كانت من بين الكلمات الاكثر استعمالا و كلمات  كالبيئة و المحيط ...  و الخيمة  قد تحولت الى كيطون,,,,و كلما تغيرت الحياة , تضاف كلمات جديدة تصبح مألوفة بسبب التكرار , رتبت الخيم بطريقة منظمة , فصارت كلمة مسؤول و فرد و مسؤولة الصف و مسؤولة الحي و مسؤولة الخلية و اللجنة و الرعاية الاجتماعية و لجنة الصحة و لجنة الهلال و لجنة النظافة و التربية و القضاء , التجمعات و الدراسة و المهرجان و المستوصف و المدارس 12 اكتوبر , 9 يونيو و 27 فبراير و الولايات و الدوائر و جبهات القتال  و النواحي و  التقسيم  و الكوبة و البطاكة و الفرق الفنية و الذكريات و الاستقبالات  و الثورة و الدول الذي يدرس فيها الطلبة كانت كوبا و ليبيا و الجزائر , كانت الحملة و الايجابيات  و السلبيات و المناضلين و الشهداء و لمجاريح و كم هائل من المصطلحات الجديدة المتجددة , المؤتمرات الشعبية الاساسية و المؤتمر الشعبي العام و ... اما الحديث عن النظام الاجتماعي و اللجنة التنفيدية و المكتب السياسي  و الدول المعترفة و سياسات تلك الدول و رؤساؤها و الكلام عن ما ستضيفه للشعب و هزائم العدو العسكرية و اكلاش و ادريميزة ,,,, ضف  الدبلوماسية و العلاقات الخارجية  التي كانت هي حديث الجميع ,,,
                    النساء  يخرجن كل الى عملها في الصباح الباكر و لا يبقى في الخيم اي احد , الملابس الموحدة لكل مهنة و كل عمل ,و حتى الثوب العسكري و التدريب العسكري ...لم تر طفلا واحدا يتسكع و لا رجلا يتجول ,
         كان الجرس الذي يدق كانما يبلع الناس بلعا ,,, الضيفة منبهرة و مصدومة امام هذا الامر كله لم تفهم شيئا مما يدور حولها مجتمع بعيد  كل البعد عن المحيط الذي كانت تعيشه المطربة الموريتانية القادمة للغناء من اجل الثورة و الشعب الصحراوي , كانت تظن انها ستلقى مجتمعا تفهمه غير انها و جدت مجتمعا آخر...ثكنة عسكرية  في  طوارئ...
بكل بساطة لم تفهم كيف ان كل فرد من الشعب اصبح يحمل لوحده هم الحرية و الاستقلال ,,,
يتبع............

الحجاب و الاختيار الحر...!!!


بقلم: نور عبد الرحمن

“هذا الحجاب تحذير صريح للآخرين بأننى لست المرأة التى يمكنهم اللهو معها. إنه يدلل على أننى إمرأة ذات عقل، وأدرك أننى أكثر من مجرد جسد. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الحجاب مساويًا للاضطهاد، فلا نريد منك أن تشعر بالأسى من أجلنا نحن المحجبات”. (*)
قائلتها أمريكية، معمدانية راديكالية، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن أسلمت وارتدت الحجاب.
……
“كنتُ في البداية أشعر أنني مسلوبة الإرادة، والآن أشعر أنني حُرّة، حُرّة بمعنى الكلمة.
عندما يتطاير شعري بفعل الهواء و”تبوظ تسريحته” أتذكر ما مر من أجل هذه اللحظة .. فأبتسم.
كل عام وأنتي حُرّة”
كاتبتها مصرية، مسلمة، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن خلعت عنها الحجاب.
……
تجربتان مع الحجاب، برقت الأولى فى ذاكرتى وأنا اطالع الثانية التي تسجل صاحبتها مرور عام على خلعها الحجاب، عام من اختيارها الحر (كما وصفته).
……
التجربة الاولى تبدأ أحداثها فى إحدى قاعات الدرس بالجامعة، عندما دخلتها “أمينة” فهالها أن تجد بين زملاء الدراسة نفر غير قليل من العرب، الأمر الذى جعلها تنفر وتعزف عن دراسة هذه المادة فى هذا الفصل الدراسي. الزوج الهادئ يراجعها ناصحًا ومحذرًا من أثر ذلك على المنحة التى تسعى للحصول عليها. وبعد يومين من التفكير العميق قررت “أمينة” التسليم بما قدره الله، وقد ملأها شعور أن الله قد قدر لها أن تحمل على عاتقها مهمة تحويل هؤلاء العرب إلى المسيحية.
شرعت “أمينة” فى أداء مهمة رأت أنها مكلفة بها، أنذرتهم بالجحيم إذا لم يقبلوا بالمسيح مُخَلِصًا، إنهم يستمعون بأدب لكنهم لا يتأثرون. بشرتهم بحب المسيح لهم وكيف مات على الصليب كي يخلصهم من خطاياهم وأن ما عليهم إلا أن يؤمنوا بذلك فيَّخْلَصوا، ولكنهم لا يؤمنون.
فشلت “أمينة” فى أن تنذر، وفى أن تبشر. فقررت أن تفعل شيئًا مختلفًا.
“قررت ان أقرأ لهم من كتابهم لأبين لهم أن الإسلام هو دين زائف، وأن محمدًا كان إلهًا زائفًا ايضًا” (*)
منحها أحدهم بناءً على طلبها نسخة من القرآن الكريم وكتاب آخر يتحدث عن الإسلام، وبدأت “أمينة” رحلتها التى استغرت العام ونصف العام، قرأت خلالها القرآن وخمسة عشر كتابًا عن الإسلام. وبدأت “أمينة” تتغير ..
أولى الدُفعات التى تكبدتها “أمينة” كتكلفة لهذا التغيير؛ أن فقدت زوجها. الذى -على حبه لها- لم يستطع أن يستوعب ما اعتراها من تغير، لم تستطع هى أيضًا أن تفسره فلم تكن قد أدركت كنهه بعد. طلب منها الرحيل، ففعلت. انتقلت إلى شقة مستقلة تعيش فيها مع طفليها الصغيرين.
وتوالت الدُفعات عندما أشهرت “أمينة” إسلامها فى 21 إبريل من عام 1977 ..
فقدت جُل أصدقاءها.
الأم لم تتقبل فكرة إسلامها، وتمنت أن تكون نزوة عابرة سرعان ما تتغلب عليها.
الأخت خبيرة الصحة العقلية ظنت أنها قد فقدت عقلها، وحاولت وضعها فى مصحة للأمراض العقلية.
أما الأب الهادئ الحكيم الذى يلجأ إليه الجميع طلبًا للنصح، فقد عبأ مسدسه بالذخيرة عازمًا على قتلها عندما تناهى إليه خبر إسلامها.
ثم قررت “أمينة” أن ترتدى الحجاب!
وما أن فعلت حتى حُرِمَت عملها. لتجد نفسها دون عائلة، ودون أصدقاء، ودون مصدر للرزق يؤمن لها لقمة العيش.
لكن الأسوأ لم يأتى بعد ..
إن انفصالاً سبق بينها وبين زوجها، وجب أن يتحول بعد إسلامها إلى طلاق رسمي، ينتقل بموجبه الأطفال إلى حضانة الأم كما يقضى بذلك القانون الأمريكي، إلا أن القاضى قد رهن ذلك بتخليها عن الإسلام، ومنحها عشرين دقيقة فقط لتختار بين إسلامها وبين طفليها!
“لقد كانت تلك العشرين دقيقة هى الأقسى والأقصى ألمًا في حياتي” (*)
كي تدرك طبيعة الكابوس الذى عاشته “أمنية” لدقائق تفصل فى عمرها القادم، عليك أن تضيف بعض تقارير طبية تفيد بإستحالة حملها مرة أخرى لوجود مشاكل صحية!
تقول “أمينة”: “دعوت الله كما لم ادعوه من قبل .. لقد علمت أنه لن يكون هناك ملاذ آمن لأولادي خير من أن يكونوا فى كنف الله ورعايته، وإذا ما انكرتُ الله الآن فلن يكون لى سبيل مستقبلا أن أبين لأولادي كم هو رائع أن تكون مع الله”. (*)
فاختارت “أمينة” الإسلام، واستودعت الله أولادها. غادرت المحكمة وقلبها يدمى، ولكنها على الرغم من ذلك كانت فى قرارة نفسها على يقين بأنها اختارت الاختيار الأصوب!
لم تسكن “أمينة” أو تنهزم بل على العكس من ذلك نشطت عن ذى قبل، وصلت بقضيتها إلى الإعلام، صحيح إنها لم تنجح فى كسب حضانة طفليها، لكن تعديلاً طرأ فيما بعد على قانون “كولورادو” ينص على أنه لا يجوز حرمان الآباء من حضانة أبناءهم على أساس الديانة.
أحال الإسلام “أمينة” إلى شخصية فريدة، باتت محط إعجاب الكثيرين، تأسرهم بخلقها السمح الذى اكتسبته من تعاليم الإسلام، فهدى الله على يديها كثيرين، واتمثل قول الله تعالى عن نبيه أيوب (عليه السلام):
“وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”
الجدة التى جاوزت المائة من عمرها أراد الله لها الإسلام على يد “أمينة” قبل أن ترحل عن الدنيا بفترة وجيزة.
وبعد عامين من إسلامها، دعتها أمها لتعبر لها عن إعجابها بما آمنت به “أمينة” ودعتها إلى استمرار التمسك به. وبعد عامين آخرين دعتها مجددًا لتسألها كيف تصبح هى الأخرى مسلمة.
فبل أسبوعين من إسلام الأم، أسلم الأب، هذا الذى عبأ مسدسه يومًا كي يفرغه فى رأسها.
أم الأخت خبيرة الصحة النفسية فقد أسلمت بعد أن آمنت بأن الدخول فى الإسلام هو الأجدى لصحة العقل والبدن.
وما أن بلغ ولدها “ويتنى” عامه الحادى والعشرين حتى أبلغها أنه يريد أن يصبح مسلمًا.
بعد ستة عشر عامًا من الطلاق، اعتنق زوجها السابق الإسلام. قال لها إنه كان يتابع اخبارها، وأنه يريد لإبنته أن تحذو حذوها وأن تعتنق هذا الدين العظيم.
لكن الأروع لم يأتى بعد ..
الأروع هو زواجها من رجل آخر، شاء الخالق القدير أن يجعل ثمرته طفل جميل برغم ما سبق أن قرره الأطباء من استحالة حدوث ذلك!
رحم الله “أمينة السلمي” رئيس المنظمة العالمية للمرأة المسلمة.
……
أما التجربة الثانية فقد سطرتها صاحبتها فى تدوينة ملخصها:
ارتدت الحجاب فى الثانية عشر من عمرها حيث كان زيًا مدرسيًا للمدرسة الإعدادية التى التحقت بها. قضت عشر سنوات بين رغبتها فى التخلص منه، وبين قدرتها على التعايش معه .. حتى قامت الثورة، عندها قررت أن تنتزع حقها فى أن تكون صاحبة القرار!
فى اليوم الموعود ذهبت إلى أمها فى المطبخ تخبرها أنها قررت خلع الحجاب، “أنتى اللى حتتحرقى فى النار” قالت أمها. شئ من المكابرة يحفظ موقفها فى قالب: اللهم بلغت اللهم فاشهد. توسلت إليها أن تقف إلى جانبها، وفعلت الأم. عندما عاد والدها من صلاة الجمعة وأبلغته بقرارها، قالت الأم متظاهرة بالغضب: “سيبها يا أحمد هي اللي هتتحاسب”.
عندما ضغط الأب على وتر “الفرض الديني” شرحت له كيف أن الله لن يرضى عن فعل تفعله وهى مجبرة، شعر بأنه فى مازق، فقال: “الناس هنقولهم إيه؟”، سألته: “ربنا ولا الناس؟”، وكانت تعلم ان الإجابة فى واقع الأمر هى الناس وليس الله!!
صعدت من ضغطها، وتدخلت أختها .. “همممم حسنًا إنها في الغالب لجأت إلى “وتر المشاعر” وعزفت سيمفونية الأب المثالي، وشعرت أن أبوّته غلبت، حينها فقط أدركت أنني لو تركتُ الفرصة لن تأتِ أبدًا”.
“دخلت لأرتدي قميص بكُم، وبنطلون، ربطتُ شعري ووقفت أمام المرآة أحدث نفسي: أفعليها الآن، الآن وليس غدًا”
وخرجت لأول مرة بدون غطاء رأسها.
ثم بعد عشرة أيام، وفى ليلة أول إمتحان يأتيها الأب ليقول أنه يجب عليها ارتداء الحجاب لأن الناس يقولون: “بنتك مش مؤدبة”، أجابته بأنه إذا كان الحجاب مرتبطًا بالأدب فعليهم فرضه كذلك على أبناءهم الذكور. تحتد نبرة الحديث، يخرج الأب وهو يقول أنها سوف ترتديه بمجرد أن تنتهى الإمتحانات، وتبقى فى غرفتها تبكى الظلم والقهر وتنعى وجودها فى هذا المجتمع المريض، ولكنها لن تستسلم وسوف تقاوم!
انتهت الامتحانات، وكانت على موعد مع جمعية “نهوض وتنمية المرأة” فى مقابلة شخصية تمهيدًا لانضمامها إلى فريق العمل، وكانت قد اتفقت من قبل مع أسرتها على الإستقلال عنهم حال التحاقها بالعمل فى الجمعية!
أثناء استعدادها للخروج تتجدد المواجهة مع الأب، ومع إصرارها على الخروج بدون حجاب يلطمها الأب، فتحتد أكثر “مش هلبسه، مش هلبســه”، “هاتي مفتاحك، متدخليش البيت ده تاني” قال الأب، وفعلت هى!
فى القاهرة أقامت فى دار للمغتربات، واستقلت عن الأسرة، التى تحسنت علاقتها بهم بعد ثالث إجازة أسبوعية. انتهت جفوتهم، وانتهى حديثهم عن الحجاب!
……
إن المسافة الفكرية والإنسانية التي تفصل بين التجربتين تفوق تلك المسافة الجغرافية التي تفصل بينهما، إلا أن عاملاً مشتركًا يجمعهما هو ما تفخر به صاحبة التدوينة وتحتفل بمرور عام عليه: “الاختيار الحر”. فهل يحظى الاختيار الحر فى التجربة الأولى بثراءها وزخمها وحجم الألم المبثوث فيها بذات القدر (على الأقل) من التقدير الذى ناله اختيار “خلع الحجاب”؟!
هل يمكن لمن قدست الاختيار الحر حتى قدمته على طاعة الله أن تحيى “أمينة”، وأن ترفع يدها بعلامة النصر كما فعلت عندما امضت هى اختيارها؟
هل يمكن لجمعية كتلك التي تعنى بنهوض المرأة وتنميتها أن تلتقط نسخة مصرية من “أمينة” لتدعمها، على غير ما يبدو من حصر هذه الأنشطة على النهوض بالمرأة من سكينة استسلامها لتعاليم الدين، وتنمية قدراتها فى التمرد عليها؟
هل يمكن لمن أشاد، ومن تعاطف، ومن تفهم، اختيار خلع الحجاب، أن يفعل المثل مع اختيار ارتدائه؟
إجابة السؤالين الأول والثاني: “لا”. أما الثالث: “ربما”.
الإجابة بـ “لا” لأن الاختيار الحر ليس الهدف وإنما الوسيلة، واستحسانه ليس مطلقًا وإنما نسبيًا وفقًا لتقديراتنا الخاصة. وأنا اتفق مع ذلك كل الاتفاق فأرى أن الاختيار ليس محمودًا لذاته وإنما لحكمته. ما لا اتفق معه هو الرفع من قيمة حرية الاختيار فى مقابل حكمته، وهو تدليس يهذب كل حماقة ويرفع كل تدنى!
أما من يؤمنون بنظرية “الاختيار الحر” فدعونا نختبرها فيما هو أدنى كثيرًا من الفرض الديني، وأهون فى عاقبة العصيان.
هل تشفع فى إعفاء طالب من مادة إجبارية لا تستهويه دراستها؟
هل ترفع العقاب عن العسكري الذى لا يلتزم بزيه العسكري؟
……
أمثلة لا نهائية يمكن سردها هنا لتنحية “الاختيار الحر” فى مقابل الإلتزام بضوابط منظمة لحركة مجتمع، والوفاء بتكليفات مفروضة بحكم الإنتماء إليه.
والإسلام ليس بدعًا من ذلك. عندما تختاره كدين تدين لله به؛ فإنك تترك اختيارك على عتبته، وتُسْلِم وجهك لله الذى آمنت به، لأن تحفظك على أحكام الله طعن فى إيمانك به، وانتقاءك بينها يخرق إسلامك له.
إذا فالقضية قضية إيمان فى حقيقتها، وهى ما فطن إليه اثنان من المعلقين على تدوينة صاحبة “الاختيار الحر”، أحدهما مسلم يعى جوهر القضية، والثانى ملحد لكنه كان منطقيًا فيما ذهب إليه من استنكار اقتطاع أحكام من الإسلام مع استمرار الإيمان به كدين!
وتأتى ردودها كاشفة عن موطن الداء (الذى لا علاقة له بحرية الاختيار)، فأجابت الأول:
“أخي في الله، أتفق معك تمامًا أن الإيمان أولاً ويتبعه الحجاب، لذلك أدعوك أن تؤمن وترتدي الحجاب لعل الله يجعل لي من ثواب هدايتك نصيب، اللهم أمين”
وأجابت الثانى:
“أنت ملحد يعني رفضت فكرة وجود إله في الأصل، شغلت عقلك لحد ما وصلت لحقيقة ان مفيش خالق للكون دة، وعليه فإن كل الأديان والقواعد المنسوبة لهذا الإله باطلة، غير منطقية ، غير مقنعة بالنسبة لك، بعدها بترفض إن الحجاب مش من الإسلام ، على الرغم إن الحجاب بالذات عليه كلام وأراء فقهية كُثُر بسبب الثغرة اللي دايما بتتاخد على الإسلام إنه بيفرق بين الرجل والمرأة وإنه دين ذكوري بحت،، يعني من أشد وأبرز النقط اللي بتتاخد على الإسلام هو إضطهاد المرأة ومن ضمنها فرض الحجاب على الإناث مش الذكور، ثم تيجي تقول أنا ملحد، تقبل الله إلحادك”
وفى رد ثالث لها على من سألها عن إحساسها برضا الله عنها أجابت:
“طبعاً حاسة إنه راضي، لأني عارفة إن عمره ما هيرضا وأنا بنافقه، أضحك عليه كأني أذكى منه؟ هو عارف كويس أنا جوايا إيه، لو قرر يعاقبني يعاقبني أنا متحملة النتيجة”
إيمان مضطرب، تفكير مشوش، خطوط متشابكة ومشتبكة ..
سخرية واستهزاء بآيات الله!
طعن فى عدله وحكمته سبحانه، مع استنكارها الشديد أن تنافقه فتطعن بذلك فى ذكاءه وحدود علمه!
يطلب منها حسم قضية الإيمان أولاً .. تقول له ارتدى أنت الحجاب!
يقول لها إن الحجاب من الإسلام .. تقول له إن الإسلام دين ذكوري!
هذا الاضطراب والخبال يطرح نفسه كفكر وكقضية ترفع شعار الحرية والثورة على المجتمع الذى يخلط بين الفرض الديني وبين الواجب المجتمعي!!
مع أنهم لم يحسموا هم أولاً قضية إيمانهم، وثانيًا قضية الفرض الديني. يخلطون بين الإيمان والكفر، ويفصلون بين الأحكام وبعضها التقاطًا وانتقاءً!!
لمن يقف على أرضية الإيمان فإن الله تعالى يقول:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا” الأحزاب – 36
لا خيار فيما قضى به الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
وقد قضى ربنا بحكمته الحجاب على المؤمنات:
“وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ … وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” النور – 31
فقالت أم المؤمنين عائشةَ (رضيَ اللهُ عنها): “يرحمُ اللهُ نساءَ المهاجراتِ الأُّوَلِ، لمَّا أنزلَ اللهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. شقَقْنَ مُروطَهنَّ فاختَمرْنَ بهَا” .. سمعن فأطعن.
إن الطاعة لله ليست نفاقًا؛ إذا كانت ابتغاءً لوجهه وتقديمًا لرضاه على هوى نفسى، وإن عدمت الإخلاص وفقدت الأجر؛ فإننى قد اجتنبت المعصية وشقاق الله ورسوله.
وصدق ربى .. توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

افهم الادب ثم اكتب فيه...!!!

بقلم : الاستاذ
 نبيل الجزائري

           يعجبني شاعر الزهد في عصر ما قبل الإسلام عدي بن زيد عندما يقول :
إجتنب أخلاق من لم ترضه .... لا تعِبْه ثم تقفو في الأثر
و في هذا البيت الذي وصل إلينا منه إلزام خلقي في النزوع إلى الخير ،
 و رد على من يكتب الشعر من أجل تحقيق الرغبات النرجسية أو الغرائزية المفلسة .
           فنون الادب عموما إنما هي حصيلة ثقافية إبداعية لمجال رحب من الذخائر التي لا تنفذ في الطبيعة و الانسان ، ممزوجة بين الواقع و الخيال ، بين المرئي و المخفي ، بين المفرح و المحزن .. إنها نشاط فكري و إبداعي و وجداني ، تميز الأذهان ، و تنضح العقل ، و توسع المدارك ، و لا ترتمي أبدا في أحضان الرغبات الحسية و السلوكية الفردية المنفصلة عن القيم الأخلاقية و الانسانية و الدينية للمجتمع .
         من يكتب شعرا أو نثرا، رواية او قصة او مسرحية ، إنما هو ذلك 'الأنية' الجماعية الذي يخاطب الجميع بلغة واحدة في وقت واحد و بصوت واحد و بضمير واحد ، تتبدى كتاباته و إبداعاته أفعالا و تتجسد سلوكا ، تثري وجدان الإنسان و تصقل شخصيته و تحرره من ربقة الغرائز الحسية و مسببات الفشل و اليأس .
         نحن نحتاج إلى من يفهم الأدب قبل أن يكتب فيه و يخوض في عوالمه ، إلى من يحتفي بمكارم الأخلاق و يلزم نفسه بها عندما يبدع ، أن لا يخضع لنزوات طائشة يتقاطع فيها جميع
 الناس ، إلى من يرافق الانسان الضعيف إلى جذوة الروح المطلقة على قدم المساواة مع الجميع .

السبت، 29 أغسطس 2015

آخر الدواء...

بقلم : حمدي حمادي
الصحراء الغربية

لا تزال تنزف ,
جرحك الغائر التهب ...
سكنه المرض سكنه الطاعون ...
استعمره بكل آلامه و اوجاعه و اسقامه..
و كل يوم يرحل عزيز و تودع عزيزة...
يودعون بألم دون ان يلوح دواء ...
ايها المرض اللعين ايها الجرح الذي يتعمق و يدرس و يشيخ...
ايها السرطان الخبيث الذي يعشش و يتكاثر...
 و يا مصاص الدم الذي يتقوى من عروقنا ...
لابد لك مما تكره ...
لابد لك مما تخاف و تخشى...
لا بد من علاج الاجداد ...
وصاياهم لم تنس بعد ...
 و هناك يد واثقة  تستطيع , تقدر ...
همها ان تشعل النار...
و تضع السكين في اللهب...
حمراء , لاهبة...
 ستستأصلك...



.المرتزقة لن يكونوا أدباء أبدا !

بقلم د.نبيل الجزائري


he Hitman ليس الفيلم الامريكي المعروف ، و إنما أعني به المرتزق الذي يقتل النفس البشرية دون أن يعرف السبب الا لكونه يعرف مكافأة القتل : المال ..



كم عدد المرتزقة عندنا في العالم العربي و الاسلامي من الذين قتلوا ضمائرهم ، و يغتالون الحس الجمالي في الادب ، و يطعنون بخناجرهم المسمومة رسالته في التعريف بالثقافات و التقريب بين الشعوب ؟
أنظر بعين الاحتقار و الخزي إلى ذلك النكرة 'الجزائري ' الذي يرتزق من سب مقدسات شعب يحمل جلده ،و أرض طيبة حملته رضيعا و صبيا و يافعا و شابا على ترابها و حشيشها..يظن أنه يكتب أدباً راقيا بتلك الجوائز التي نالها من منظمات فرنسية و يهودية تشجع الانسلاخ عن الهوية العربية الامازيغية الاسلامية لبلد سيادي ما زالت تنظر اليه بعين الاستكبار الإمبراطوري ..

إنك لا تكتب أدباً يا مرتزق .. إنك تكتب الخيانة في كل كلمة فرنسية ، و أنت الذي قلت أن الكتابة بالفرنسية تحررك من مقدسات العربية ، لأنك لو كتبت بالعربية ما فهمك الفرنسيس ليغدقوا عليك بالتكريمات و الجوائز و المال ..
لن أكون قاسيا أو عنيفا إن صنفتُ ما تكتب من حماقات لا تصل حتى إلى مستوى النقد الأدبي ، و لا إلى ما يستحق القراءة و الاستفادة .. إنها مجرد خربشات حاقدة مملة فارغة من الأصالة و الإبداع ..المرتزقة لن يكونوا أدباء أبدا !

الجمعة، 28 أغسطس 2015

Big Bang أقرب الى الصواب

بقلم / الاستاذ نبيل الجزائري


رائد ما يسمى الإلحاد الإيجابي Positive Atheism البيولوجي البريطاني ريتشارد داوكينز يقول بأن الدين يقدم معنى ناقصا للكون، فجاء داروين و قبله هيوم فنظرا الإلحاد و فسرا ما عجز عن تفسيره الدين . ثم تطور فيما بعد علم الوراثة Genetics لتصبح المورثات تكنلوجيا المعلومات الجديدة و التفسير العلمي الوحيد لتطور الكون و إلغاء ' فكرة ' الخالق .( من كتابه : The Blind Watch Maker)
غير أن إلحاد Richard Dawkins ما لبث أن انهار أمام اكتشاف العالم الفيزيائي الكبير Peter Higgs (٨٦ سنة ) الذي اكتشف نوعا من الجزيئات فسرت كيف تشكلت الكتل الاولى عند انفجار Big Bang ، سماها God particle أو جزيئة الله . و قد قدم هيغز اكتشافه سنة ٢٠١٢ بحضور العشرات من العلماء و الباحثين الصحافيين كانوا ينتظرون في طوابير طويلة منذ الساعة الخامسة صباحا للظفر بمقعد في قاعة عرض الاكتشاف. لقد أكد العالم الفيزيائي الإسكتلندي بعد ثمان و أربعين سنة من البحث في عالم الجزيئات أنه كانت قوة ناقلة عبارة عن طاقة غير مرئية منتشرة في الفراغ ، ثم حدث الانفجار فانتشرت بقوة و سرعة كبيرتين و بدأت تتركب الذرات فالجزيئات لتملأه و تشكل الكواكب و النجوم و المجرات و لولا هذه الطاقة المتنقلة لم يكن شيء ليكون و ما كانت الحياة . تحصل Higgs على جائزة نوبل في الفيزياء سنة ٢٠١٣ و اعتبر اكتشافه الأكبر من نوعه خلال المائة سنة الماضية في فيزياء الجزيئات molecular physics.
الداروينية تريد تفسير الوجود بعلم الوراثة و هذا لا يمكن العمل به لأنها لم تستطع إثبات تغير نوع الى نوع آخر بالملاحظة ( ملايين السنين ) . أما Big Bang فهي أقرب الى الصواب ، لان القمر بقي قمرا و الشمس بقيت شمسا و الارض بقيت أرضا و الأوكسجين هو الأوكسجين وهكذا .. و هي ما جاء بها القرآن الكريم ( الدخان ) .

ميركل تلقننا درسا

Nidal Salek
بقلم / النضال السالك



أصابتنا مؤخرا المستشارة الالمانية "أنجيلا ميركل"
بخنجر كلماتها :"سنخبر أطفالنا غدا أن اللاجئين
السوريين هربوا  إلينا وقد كانت مكة بلاد
المسلمين أقرب إليهم "!! .
مرت هذه الطعنة السامة القاتلة علينا مرور الكرام .
فنحن بتنا معتادين . و رغم ماقالته لكنها أهدتنا
عيوبنا ، لما ننزعج عندما نسمع حقيقتنا .
وسيتنطط بعضنا بأنها الكافرة الزنديقة ! ههه .
هذا ما أصبحنا نجيد ، التراشق ! أضحت دولنا
للأسف فيلم مرعب . لديها الحق القاتل لكنه
الصادق . الشيئ الذي ينقصنا .
سوريا تدمر كل يوم وعراق مات والسلام
وفلسطين لازالت تبكي صلاح الدين ومصر
كحرب البسوس و...وماذا عساي أن أصف ! .
وفي جهة أخرى دول الخليج معتنقة إسلام
اليوم ! الذي يترك أرامل المسلمين وأطفالهن
يتكففن رغيف خبز تمنه عليهن ديار الغربة .
وإلا أين المتنططين بالإسلام في كل شاردة
و واردة ، أين أنتم يا أمة الإحسان والكرم .
أين أنتم يا أهل مكة والمدينة . بالله عليكم
متى كان الإسلام لا يأوي الضعيف ولا يطعم
الجائع ولا يحمي الحرمات ?! .
إن قتل لهم طفل واحد لدى الغرب ، أقاموا الدنيا ولم
يقعدوها . أما أطفالنا فهي تقتل بالجملة وتشرد
وتغتصب والطامة انها على أيدينا . وقد قال تعالى
في كتابه الكريم : (من قتل نفسا بغير نفس أو
فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن
أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) .
صدق الله العظيم .
إذا عن أي إسلام نتحدث ?! .

‏براميل_حمص‬!

بقلم الاستاذ و الشاعر الجزائري
محمد عطوي

وع _ وع !
طفل يبكي
و حليب مفقود
و الأم تكفكف دمعا
من دمها الموؤود
و أب يجري-لا يدري-مخضوض
و شوارع[حمص]تبلعه
و براميل تتفجر في ليل الرعب
و طريق العودة مسدود
سقط الليل...
و عمود النور أطفأه جيش موعود
أن ترفع أجرته مادام يحلق في الجو
يلقي أحقادا كالنو
بقذائف نار من[نيرون]المجنون
نيرون الشيطان الممرود
أو قناصا بشوارع شعب مصفود
يصطاد الناس من فوق السطح
كالكلب الممدود
يتلقف عظما من مولاه
و يبصبص أنى يلقاه
عند الورد المورود
.
شيخ يكبو
بالمسرجة
يسعى كي يقضي حاجته
و عصاه لم تنج من قصف
يتلمس جرح الأمس المسرود
...
اليوم التالي كاليوم الخالي
ما من شيء موجود:
طفل يبكي
و الأم تكفكف دمعا
و أب مفقود
و الشيخ يتمتم رباه
و لقد ضاعت منه عصاه
لا قطرة زيت من كاز
لا شيء وقود
عم الصمت في البيت المهدوم
لا كلب ينبح أو قط
هجرت حيوانات الدار
يا للعار
و الطفل الجائع مات
و شوارع[حمص]أمست حمصا
في المقلاة
و شوارع حمص من جثت القتلى
تتنفس كربونا
موتى موتى
هاج الأسد
موتى موتى
ضاع البلد

تلك الأحلام


الكاتبة و الشاعرة الجزائرية
نورة سعدي 


تلك الأحلام
التي حطت كسرب من الحمام الأبيض
على شرفات الروح
وملكت علي نفسي
سكنت يوما جوانحي
ولم تتحقق حتى الساعة
على أرض الواقع
وبنيت من وهم ائتلاقها قصورا
لن تصمد طويلا أمام الدهر
ستطير من كفي
إلى حيث لا أدري
تتوارى في المدى
ويطويها الصمت لا محالة
في سديم الوقت
ولن يبقى منها
من جموحها
و وميضها الخلب
سوى هسيس الجراح
والرماد
الرماد
الذي ستذروه الريح هباء
في متاهة العدم  




الصمت...

بقلم  :  ندى عبد الرحمن

إن للصمت أوجها كثيرة، بعضها جميل وبعضها قبيح..... حين تصمت حتى لا تقول شرا او حين تصمت حتى تسمع نبض غيرك ، او حين تصمت حتى تسمع نفسك ، فهذا فيه من الحسن والرحمة و الرقي ما فيه.
لكن أن تصمت حين ترى الباطل تزداد سطوته ، او أن تصمت لانك عاجز عن التعبير وتحس نفسك أبكما او تدرك ان الاخر لن يفهمك مهما قلت، او حين تبخل ببعض الكلام على من يحتاجه ، او حين تعذب شخصا ما بسكوتك البارد ، فهذا منتهى القبح والقسوة والالم لك ولغيرك.

الخميس، 27 أغسطس 2015

التفكير فريضة إسلامية ...

Nabil Algerien
الاستاذ نبيل الجزائري 

هكذا قالها العقاد رحمه الله ، و أظنه لم يبالغ في استعمال مفرداته لإظهار المعنى القوي الذي أراد أن يستوعبه منه المسلمون و بلدانهم تحت الاحتلال او الانتداب الغربيين آنذاك .


إن التجارب الصعبة التي شهدها العالم الاسلامي منذ سقوط الاندلس تفرض عليه التحديق ، و ليس النظر فقط في تصوره المبهم للقوة الخفية التي تتحكم في صنع التغيير، و لعلها -و بدون شك -لها صلة و شواهد تتعلق في القدرة على التفكير و التعمق فيه .
لقد نجت اوربا ، و من بعدها الولايات المتحدة الامريكية و دول جنوب شرق آسيا و الآن البرازيل في إدخال حركية و ديناميكية في صياغة الإيحاءات الذاتية و الصور الذهنية للعقل البشري ، بعد مواجهة شجاعة مع دعاة الجمود و الخمول ، أصحاب 'فوبيا' phobie التفكير .
إن في حضارتنا الاسلامية العربية بذورا للإنسانية و ليس (( فيها قوما جبارين )) ، تحتاج الى من يسقيها بجسمه و إرادته و روحه مجتمعين ، كي تمتد و تتفرع جذورها إلى كل مساحات العقول و القلوب ، ثم ترتفع بهم عالياً فوق الحضارات المدنية الاخرى ، لتقدم نموذجا متكاملا للبشرية و ليس كساءً تتزمل تحته العقول .
قد تتراءى لنا بعض الصور الجميلة القديمة من قصور غرناطة أو إشبيلية و قرطبة و طليطلة وو .. لكن لم لا ندخل الحركة على هذه الصور فندرك العبقرية بأبعادها الثلاثة : العزيمة و التحليل و المنطق ، و التي كانت تمثل القوة الواعية للتفكير الاسلامي الحر و الرشيد دون تزمت و لا ضوضائية ؟
التفكير ظاهرة إنسانية لا يمكن كبتها أو تحييدها ، و هو المسؤول الوحيد في صيرورة الحضارة التي تعيش باهتزازات الفكر المنير ، الذي ينقل العقل من المادة الجامدة الى المعنى الواسع المتحرك ، يقذف الافكار المتجددة و هو ينتقل كيفما شاء، ثم يتطور مع الاختبارات المتلاحقة دون كلل .

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

أهفو إليك




الكاتبة و الشاعرة الجزائرية
نورة سعدي


ترى هل سيهطل غيمك في جفافي
وهل سيأتيني خراج حبك ولو بعد حين ؟
دونك كل المواسم هباء
و الرياح هي السموم التي تنتفي معها الحياة
فعرج لو سمحت مع صبا الشوق
على كينونتي الظمـأى
مر رياحك اللواقح تلمسني لأثمر
تذروني في جنائن روحك
وردا
وعطرا
ذكرى لا تريم
لهفة لا تستكين
ولتتنفسني كالهواء
تتشربني قطرة
قطرة
كي أتناسل فيك كالدم الذي به تحيا
به أحيا
فأنت أنا
وبغيرك يا حبي لا أكون