مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 24 يناير 2017

المغرب والاتحاد الافريقي عقبات القانون و إكراهات السياسة

د.سليمان الشيخ حمدي
باحث في الشؤون المغاربية  




لماذا يعود المغرب الى الأفارقة بعد أن أدار لهم الظهر اكثر من 30 سنة ؟ ماهي المستجدات التى جعلته يقبل ما كان رفضه بكل قوة قبل ثلاثين سنة ؟ مالذي تغير حتى يراجع المغرب قراره ويقبل بالعودة الى الحضن الإفريقي؟ هل هناك ضمانات جديدة تلقاها المغرب؟ أم أن إكراهات قوية تتعرض لها المملكة؟ أم أن الأمر يتعلق بالأفارقة أنفسهم يريدون التكفير عن إغضاب المغرب؟ وهل ميثاق الإتحاد الافريقي يقبل العودة بشروط ؟ وإذا لم يقبلها هل الثوابت المغربية قابلة للمساومة ؟ أيهما أعلا قانونا الإتفاقيات الدولية أم القوانين الدخلية؟ . تلك هي ابرز الإشكاليات التى سنعالج من خلال هذا المقال.
القوة تغري بالمقاطعة
    لقد قاطع المغرب المنتدى الافريقي أيام اشتداد النزاع المسلح بينه وجبهة البوليزاريو وكان إذ ذاك الحسن الثاني يتربع على العرش في عز قوته حيث استتب له الوضع بعد سنوات الرصاص وحيث المساعدات الأمريكية والفرنسية والخليجية والعربية عموما تتدفق دعما لحربه في الصحراء،أما على المستوى الداخلي فلم تكن هناك بوادر ربيع عربي بل النظام العربي يعيش عز أيام دكتاتورياته ملكيات وجمهوريات معمرية ومشيخات باذخة، لم تكن هناك ازمة أقتصادية حادة كان الشرق شرقا والغرب غربا والحسن الثاني عراب السياسة العربية تجاه اسرائيل والقدس وبوابة العلاقة مع امريكا بإختصار كانت الظروف تصب لصالحه لذا أخذ خيار مقاطعة الافارقة من موقع قوة. ونمت سياسات ومواقف داخلية وتشكلت قناعات في هذا الاتجاه خاصة وأن القضية الصحراوية إحدى أهم الثوابت الوطنية . بعد سنوات استطاعت الأمم المتحدة أن تنتزع وقفا لاطلاق النارفي سبتمبر 1991 بعد أن أقام المغرب جدرانا عازلة حول 80% من الاراضي الصحراوية، لتستقر الأوضاع على حالة اللا سلم واللا حرب التى لا زال الصراع يعيشها حتى الان.
   ثلاثة عقود من سياسة الهروب الى الأمام
    شهد النزاع على الصحراء خلال ثلاث عقود ركودا شديدا بعد توقف إطلاق النار التى كان يفترض أن يتبعها إستفتاء على تقرير مصير الإقليم بعد سنة لكن تفاصيل الخطة ومجريات تنفيذها شهدت خلافات حادة بين طرفي النزاع وشهدت جولات مباحثات مباشرة وغير مباشرة الى أن استقر الوضع في المرحلة الرمادية للصراع حيث تفرغ المغرب لإدارة الإقليم ، في حين اكتفت البوليزاريو بوضع اليد على ما  نسبته 20% وهي الباقية خارج أسوار الدفاع المغربية.خلال هذه الفترة تغيرت معطيات الصراع وتبدلت التوازنات الدولية والمحلية واستجدت عوامل على الساحة بدأت ضغط في اتجاه إخراج الصراع من أطره القديمة ليدخل ضمن حسابات أخرى .
المتغيرات الدولية
زوال الثنائية القطبية الذي ادى الى إخراج الصراع من الأطر التقليدية شرق-غرب. ليدخل ضمن الإستراتيجيات الأمنية والسياسية الإقليمية.
بروز ظاهرة الإرهاب في منطقة الغرب الأفريقي.
بروز ظاهرة الهجرة السرية والتهريب الى أوروبا.
الأزمة الإقتصادية العالمية.
موقف الإتحاد الأوروبي من النزاع الصحراوي خاصة في ظل قرار المحكمة الأوروبية بأن الصحراء الغربية لا تنطبق عليها الاتفاقيات مع الإتحاد الاوروبي لأنها ليست أرض مغربية.
تصاعد الموقف من المغرب بسبب المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان.
ثورات ما أصبح يعرف بالربيع العربي.
أخيرا المشهد الامني المتفجربشمال إفريقيا عقب احداث الربيع العربي.
    هذه العوامل أدت الى دخول الصراع ضمن حسابات اخرى جعلت المغرب ينتبه الى أن الأدوات القديمة لإدارة الصراع لم تعد مضمونة النتائج فحلفاء الأمس أصبحت لديهم حسابات أكبر ويضعون الصراع ضمن أجندات أشمل قد لا تكون المصالح المغربية هي ركيزتها الصرفة. في هذا الإطار يأتي التركيز الفرنسي على مكافحة الإرهاب في شمال وغرب إفريقيا في إطار خطته الكبرى وتتوارى القضية الصحراوية شيئا ما خاصة في ظل فشل المغرب في تسويق رؤيته لمكافحة الإرهاب التى تسوق النزاع الصحراوي ضمن ذلك الإتجاه وتستجدي دعما عليه. في حين أن أطرافا أخرى وجدت فرنسا نفسها مجبرة على التركيز عليها ضمن سياستها الامنية في شمال وغرب افريقيا نذكر هنا مالي موريتانيا اتشاد النيجر بوركينا فاسو أما الجزائر فإن انغماسها مع فرنسا في ذات الملف يبقيها أقرب من المغرب للحليف الفرنسي، وإن شاب علاقاتهما عدم انسجام. هذا التغير للحليف الفرنسي جعل الرباط تبحث عن حلفاء جدد حتى ولو لم يكونوا بوزن فرنسا ونعني هنا الدول الافريقية التى تعتبر مسرحا محتملا لأدارة القادم من فصول الصراع على الصحراء.
الملكية الدستورية وتقليل الاعباء
     قبل الربيع العربي شهد المغرب موجات تذمر شعبي نتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة الناتجة عن الأزمة العالمية وقد شكلت هذه الموجة صدمة قوية لدى مؤسسة القصر التى لم تحس بعد بتلك القبضة المريحة على الحكم منذ وصول محمد السادس وذلك نتيجة للإنفتاح الإعلامي وخاصة وسائل التواصل الإجتماعي وظهور حركات سلفية ضد القصر وحركات راديكالية لم تسلم الدار البيضاء من شررها الإرهابي، كانت المحصلة توجها واضحا نحو السماح للخيار الإسلامي بالحكم وهو ما تمثل في وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة عقب الإصلاحات الدستورية التى أراد لها القصر أن تكون بداية الطريق نحو الملكية الدستورية، التى يحلم بها محمد السادس وهو في سبيل حث الخطى نحوها يحاول أن يخفف من العبئ السياسي الموروث عن الحقب الماضية متمثل في القبضة الأمنية الحديدية والسيطرة على الحكومة ومسألة الوحدة الترابية، وقد نجح في الأولى والثانية بنسب وهو يحاول أن ينجح في الثانية من خلال فصل القصر عن قضية الوحدة الترابية بتمييعها ضمن أطر حكومية وقانونية ودولية حتى وإن كانت نتائجها غير مضمونة.
حسابات الإياب الصعبة
    انطلاقا من هذه المتغيرات بدأ المغرب في مراجعة سياساته حيال الصراع وقد رأى أنه من الواجب تغيير سياسته حول إفريقيا بالسعي لولوجها مرة أخرى وتأتي الخطوة المغربية الأخيرة بالدخول الى المحفل الافريقي لتتجاوز كل الخطوط الحمراء و تنتهك لكل الثوابت التى رسمت سياسة المغرب تجاه الصحراء ، وهنا نشير الى أن خطوة استعجال الملك المغربي من خلال مجلس وزرائه المصغر الدفع بالبرلمان لكي ينعقد استثناء من أجل التوقيع على الميثاق الافريقي تمهيدا لتقديم طلب الإنضمام خطوة صادمة فلم يعرف عن القصر التعجل في قراراته خاصة المتعلقة بالوحدة الترابية، كما أن التوقيع على هذا المثاق يعتبر إقرارا بحدود المغرب الحالية واعترافا بالحدود الصحراوية الموروثة عن الإستعمار وهو ما يعري احتلال المغرب للصحراء من أية شرعية قانونية أما الشرعية الوطنية التى عمل عليها القصر عقودا من الزمن وأصبحت ركيزة أساسية من ثوابت السياسة المغربية فقد عصفت بها جولاة الإستجداء التى أصبحت سمة السياسة المغربية الخارجية للإفارقة الذين كانت ترسم لهم صورة دونية على مدار ثلاث عقود ليتجرع الساسة المغاربة مرارة القرار الملكي القاضي بالرجع الى إفريقيا على حساب كل ثوابت السياسة والمبادئ وبدون نتيجة مضمونة.
الدواء المر
في الأمثلة الشعبية قيل "ما يحمل على تناول الدواء المر إلا الأمر" فالمغرب لم يحمله على العبث بكل مرتكزاته وثوابته إلا ما يرى بوادره في أفق الصراع الذي يدخل عقده الخامس مغيرا كل معطياته وهو ما فطن المغرب له لكن بعد فوات الأوان وهنا يمكن أن نسجل ابرز المتغيرات التى ستسطر مجريات الصراع قادم الأيام :
مجال حقوق الإنسان لم يعد الصراع محكوما فقط بقرارات مجلس الأمن التى تجمدت في الصحراء حول جسد المونيرسو منذ أكثر من عشرين سنة، فالمنظمات الدولية والحراك الحقوقي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الغير حكومية بدأت تضغط بل وتجد آذانا صاغية من أجل تفعيل دور المونيرصو ليشمل مجال حقوق الإنسان، وهو ما يشكل ضربة قوية للمغرب في إدارته للصراع.
المجال الإقتصادي  يعتبر حكم المحكمة الأوروبية سابقة خطيرة تأصل قانونا لحرمان المغرب من الإستفادة من خيرات الصحراء الغربية التى تعتبر الباعث الحقيقي لاحتلالها، فخطوة كهذه يمكن أن ينجر عنها مقاضات المغرب والدول المتعاملة معه إذا ثبت أن صادرات الصحراء تصل إليها، وهو الشيئ المؤكد حتى الآن بل إن الإتفاقيات الأوروربية مع المغرب تقوم على ثروتي الزراعة والسمك الصحراويتين من خلال الفوسفات والشواطئ البحرية الغنية بالأسماك.
المنظمات الحقوقية الأفريقية للمنظمات الحقوقية الإفريقية باعا طويلا في قضايا حقوق الإنسان وضحايا الحروب والنزاعات الداخلية، وقد استطاعت منظمات إقريقية حقوقية أن تكسب قضايا كبيرة بدءا من الإبادة الجماعية وانتهاء بمقاضات زعماء أفارقة متورطين في قضايا فساد او تعذيب أو تطهير عرقي.
الدول الإفريقية أصبح للدول الإفريقية وزنا كبيرا دوليا في إدارة الصراعات الإفريقية الافريقية بل إن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يفضل دائما الأطر الإفريقية لحل الصراعات الإفريقية لأانها تجنب اللاعب الدولي حرج التدخل المباشر كما أنها تملك من الادوات (المعاهدات ،المواثيق، المنظمات، القوة العسكرية.....) ما يؤهلها للدخول بقوة في الصراعات الإقليمية ولعل الصراع في حنوب السودان والصوال والأزمة في بوروندي والكونغو الديموقراطي وأزمة ساحل العاج والازمة في غامبيا حاليا وغيرها كثير كل ذلك يوضح القدرة الإفريقية على إدارة الصراعات وأن المرحلة القادمة من العلاقات الدولية وخاصة المدار من طرف الغرب تشهد التركيز على البعد الإقليمي والمحلي لإدارة الصراعات ولعل القمة الفرنسية الإفريقية قبل أيام خير دليل على ذلك حيث سعت فرنسيا الى وضع اللمسات الأخيرة على أطروحتها في التعامل مع إفريقيا حيث لم تعد ترغب في استهلاك رصيدها السياسيى في ظل وجود أطر إقليمية يمكن أن تدير بها الصراعات والأزمات ولعل غياب ملك المغرب عن القمة الفرنسية الافريقية يعكس مدى الإنزعاج من التعاطي مع الفرنسي مع ملفاته الأمنية. خاصة وأن المغرب ينفتح الآن على إفريقيا بصورة غير مسبوقة من أجل الترويج لإنضمامه للاتحاد. وكان المؤتمر فرصة لا تعوض للقاء الافارقة .الا أن عدم رضاه عن موقف فرنسا جعله يقاطع ذلك المنتدى الإفريقي.
أخيرا يمكن القول أن المغرب قد حسم أمره بالدخول الى الإتحاد الإفريقي مهما كلفه ذلك وهو يسعى من خلال ذلك الى علاج موضوع الصحراء في أطره الإفريقية التى أصبحت مرشحة لأن تكون ساحة الصراع القادمة على مستوى القانون الدولي من خلال تصفية الإستعمار وعلى مستوى حقوق الإنسان . لكن بخطوة كهذه يحشر المغرب نفسه في زاوية ضيقة ويقلل خيارة المناورة المتاحة له، وبناء على تغير رهاناته في الصراع ودخول الصراع مراحل متقدمة تصبح المحصلة الحتمية لتحركاته  في النهاية هي البحث عن شروط تحسين فقدان الصحراء أكثر منها الإحتفاظ بها.
منقول عن ولاية الترارزة للانباء

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9