مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 13 أكتوبر 2016

معركة كّلتة زمور التاريخية  13 و14 أكتوبر 1981.

بقلم  الكاتب  حدمين مولود سعيد

    على إثر هذه المعركة كان المغرب قد جنّ جنونه واتجه الى الأمم المتحدة ليشتكي. قام المغرب بإتهام ليبيا بأنها ساعدت البوليساريو بصواريخ "سام 6". وعلاوة على ذلك، دعا المغرب لِعقد اجتماع عاجل لبرلمانه ليُندد بأن تلك الأسلحة تم إستعمالها من طرف تقنيين من المانيا الشرقية و كوبا. و استند حجته على أن العملية العسكرية في كّلتة زمور تجاوزت الموارد العسكرية التي يمتلكها البوليساريو، و لا يمكن ان تتحقق إلا بمساعدة الفنيين المُتخصصين الذين عبروا عن طريق البلدان المُجاورة. الملك الحسن الثاني بعث رسالة تحذير الى الرئيس الموريتاني، ولد هيدالة، لمنع عبور البوليساريو عبر أراضي موريتانيا. من جانبه، استنكر وزير الخارجية المغربي، محمد بوستة، ما أعتبره تدخلا موريتانيا مُباشرا في الهجوم على كّلتة زمور.      
     ردة فعل المغرب هذه طبيعية جداً، إن وضعنا في الحسبان انه في غضون أيام قليلة جداً، فقد المغرب خمس طائرات، تبلغ قيمتها، آنذاك، أزيد من 500 مليون دولار امريكي.                                            
      بالتأكيد أن القارئ يُفضل نصا مكتوبا من طرف أحد أولئك الذين عاشوا الحدث، "من عند الزز الى تنتام أعلى لجبار أخراب العود"، ليروي لنا الحدث بكل تفاصيله، صغيرة كانت او كبيرة. إن الأجيال القادمة كما هو حال غالبية الحاضرة ما زالت تأمل أن تتم كتابة هذه الفصول المجيدة من تاريخ الشعب الصحراوي المُعاصر. ومن المؤكد أن قوانين الديموغرافية التي لا ترحم، تجعلنا نفتقد، يوما بعد يوما، كُتب حية، واحدا تلو الآخر. وفي إنتظار كتابة ذلك التاريخ المجيد، فما للقارئ من خيارسوى تفحُص صفحات أحد جاهلي الموضوع.                                                                  
      لوضع القارئ في السياق التاريخي لهذه المعركة، ينبغي أن نلقي نظرة على الوضع القائم آنذاك. كيف كانت وما هي الأسلحة المتوفرة لجبهة البوليساريو قبل هذه المعركة التاريخية وما هي استراتيجيتها.                                                                            
      قبل سنة 1981، كانت النواحي العسكرية تتكون أساسا من عدد قليل من وحدات المشاة الخفيفة للغاية. بمعنى انه، في هجماتها السريعة على العدو، لم تكن جبهة البوليساريو تمتلك سيارات مُصفحة ولا دبابات ولا مُشاة ميكانيكية ولا عدد كثير من الرجال، يسمح لها بالتصادم المُباشر، في ظروف جيدة، مع العدو. البيانات الأكثر تفاؤلا، مثل مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن كان يُقدر، في سنة 1989، العدد الإجمالي لقوات البوليساريو ب 12 الف رجل. من المفترض أنه قبل 10 سنوات من ذلك التاريخ كان العدد أقل من ذلك بكثير.                                                      
      الاستراتيجية المُعتادة من طرف البوليساريو آنذاك هي إرث من زمن سابق. للتوغل في أعماق موريتانيا او لِمُهاجمة المواقع المغربية كانت البوليساريو، وهي قليلة الأسلحة، تستخدم استراتيجية تعتمد أساسا على "الكر والفر". او بعبارة أخرى، مجموعة قليلة من الرجال، قدرتها على التضحية و الصبر خبرتها الصحاري في شهر أغسطس، و معرفتها بتضاريس الأرض فربما يحسدهم عليها حتى برنامج "كّوكّل ماب"، تقترب من هدفها، دون أي أسلحة إلا المحمولة من طرف المقاتلين على سيارات لاندروفر، ومغتنمين اول لحظات الفجر وبكل قوة نيرانهم، يُغيرُون على العدو وهو مازال يغط في النوم. ولقد أثبتت التجربة ان استخدام تلك الاستراتيجية يؤدي عادة الى النصر. هذه هي الاستراتيجية التي كان يستخدمها جيش التحرير الشعبي الصحراوي  وهذه هي أيضاً الأسلحة الوحيدة المتاحة لنا آنذاك.              
       حتى عام 1981، كان عَتاد الجيش الصحراوي  أساسا أسلحة خفيفة. وكانت هناك فُرص بإمكانية إستعمال أسلحة شبه ثقيلة ولكنه  و إمتنع عن ذلك لأنه لا يتناسب مع استراتيجيته، لأن السرعة هي روح الحرب:
الهجوم، التدمير,الانسحاب.                   
       وعلى سبيل المثال، ممكن ذكر أسلحة كلاشينكوف للجنود و المدفعية الخفيفة المحمولة على لاندروفر مثل ب 10 و ب 11، و مدفعية 75 مم و رشاشات12،7 و "دوشكا" و رشاشات 23 مم ورشاشات "بي كا" و رشاشات "كّرينوف" و مدافع البازوكة المُضاضة للدبابات.                                                                      
      وكذلك مدافع رشاش 14،5 مم المحمولة على شاحنات مرسيدس والتي تم تدشينها يوم 18 ديسمبر 1977 في معركة "أتميميشات" بموريتانيا.                     
في الصورة مدفعية الاسناد الخفيفة، محمولة على لاند روقر، كمدافع "ب10" او "ب11".

       ابتداءً من سنة 1979 تم تدخل سيارات تويوتا المجهزة برشاشات 14،5 ورشاشات 23 مم المجيدة وصواريخ "غراد" المحمولة على لاندروفر والمُضادة للدبابات.
        من حيث المدفعية الثقيلة، كل ما كان موجود هو هاون عيار 120 و عربات ب م 21 الُمخيفة، المُلقبة ب "اوركّ ستالين"، التي بإمكانها إطلاق 40 قذيفة في آن واحد على هدف يقع على بعد 20 كلم تقريبا.                                                 
      كما يرى، العتاد كان أساسا عَتاد خفيف. منطقي. البوليساريو حوّلت الحاجة الى فضيلة. بما ان البوليساريو كانت تفتقد اي سلاح يُمَكنها من ردع طائرات العدو، لجأت الى تخفيف الوحدات المُقاتلة لتمكينها من التنقل بسرعة وتعقيد معرفة مواقعها من طرف طائرات الاستطلاع المُعادية. نتذكر، مثلا في سنة 1977، كيف كانت وحداتنا مُنسحبة بعد المعركة وإلتحقت بها طائرات "جاكّوار" الفرنسية في منطقة "أعظم لحمار" والتي قامت بتفريق شحنتها النارية على شاحنة تحمل، على وجه التحديد، الجنود الموريتانيين الذين تم أسرهم في تلك المعركة. لم يكن من الصعب تخيُل الصعوبات الهائلة لطائرات العدو كي تتمكن من تحديد موقع سيارات لاندروفر الصغيرة ومُهاجمتها في محيط من الرمال.                                                                                
     باختصار، ضرورة عدم التعرُض لهجمات طائرات العدو، بالإضافة الى الحاجة المُلحة للتحرك والتمويه بسرعة غير عادية، كانت هي العلامة التجارية للبوليساريو التي لم تستعمل المشات الميكانيكية في أي عملية حتى أكتوبر 1981. وبالتالي، النجاح الحقيقي لحركة البوليساريو هو انها، بموارد محدودة للغاية، تمكنت بالقيام بالحرب في جبهة قتالية طِوالها 3 آلاف كيلومتر، امتدت من "باسكنو"، في اقصاء جنوب شرق موريتانيا، الى "زاكّورة"، في وسط شرق المغرب. بإمكاننا القول أنه حتى سنة 1981، ما كان مقاتلو البوليساريو يعرفون ما هي المشاة الميكانيكية. هذا معناه هو ان كل المعارك التي قاموا بها قبل ذلك التاريخ كانت على ذروة سيارة لاند روفر. وهذا يولد فكرة عن هجمات البوليساريو. او بعبارة أخرى، أهم عُنصر امتلكته البوليساريو آنذاك، لِمُهاجمة اعدائنا و تلقينهم هزيمة تلوى الأخرى هو شجاعة رجالها المُنقطعة النظير.                
                      
      معركة "كّلتة زمور" تمت في إطار هجمة "هواري بومدين"، المعروفة من قبل المقاتلين ب "حرب المواقع"، التي كانت وحداتنا تُغيرُ فيها، على موقع مُعين وفي غضون فترة قصيرة، تتم إبادة قوة العدو بأكملها. وكان هذا هو الحال بالنسبة لمعركة لمسايل في 16 يناير 1979، معركة بئر انزران في 11 أغسطس 1979، في خضم شهر رمضان المُعظم ومعركة لبيرات في 24 أغسطس 1979 ومعركة السمارة أيام 6 و 7 و 8 اكتوبر1979 ومعركة المحبس يوم 14 أكتوبر 1979.                                    
      من جهة أخرى، لقد مضت سنة كاملة بعد ان شرع المغرب في بناء الجزء الأول من الجدار العسكري، في الطارف الجنوبي من تلال رأس الخنفرة، على بعد ثمانية كيلومترات فقط من الحدود الصحراوية.                                                 
      في المجال الخارجي، كانت الجمهورية الصحراوية تُسجل إنخفاضا طفيفا في تنامي البلدان التي تعترف بالدولة الصحراوية، مقارنة مع السنوات السابقة، فقط خمس بلدان حتى أكتوبر 1981، مقارنة مع ال 12 بلدا التي تم اعترافها في سنة 1980 ولسبعة عشر بلدا التي تم اعترافها في 1979. وبالإضافة الى ذلك، في ماي 1980، كانت غينيا الاستوائية اول بلد يسحب اعترافه.                                                                  
      مؤتمر رؤساء دول او حكومات الوحدة الافريقية المنعقد في نيروبي ما بين 24 و 27 يونيو 1980، وافق على اقتراح إجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، و بشكل عام بداء هذا المنتدى يميل الى جانب القضية الصحراوية. كان الحسن الثاني قد قبل بالاستفتاء المُقترح، ولكن بالنسبة للمغرب، تلك الاستفتاء كان لابد أن يكون استفتاء تأكيدي. لابد من تذكير ان المغرب لم يعترف بعد، في تلك الزمان بالبوليساريو، لا كممثل للشعب الصحراوي و لا كالطرف الآخر في الصراع. وهذا هو بالضبط ما كانت حركة البوليساريو تسعى إليه في تلك الآونة. كانت البوليساريو تُطالب من المغرب الدخول في مُفاوضات مُباشرة لوقف إطلاق النار وكذلك لتطبيق مُقترح نيروبي.      
       على الصعيد الداخلي، في سنة 1981، حققت الدولة الصحراوية قدراً مُعتبراً من التقدم في التعليم والصحة والتنظيم الداخلي، حقاً، تُحسد عليه من طرف الكثير من بلدان العالم الثالث. تمكنت، فعلاً، البوليساريو من القضاء على انتشار الأوبئة و الامراض المُعدية و توفير اللقاحات الطبية للصغار المُتعارف عليها من طرف المنظمة العالمية للصحة، و في مجال التعليم تمكنت بالكامل من التعليم المدرسي للأطفال دون 18 سنة مع شروعها في حملات لمحو الأمية في باقي الأعمار.                                    
      في هذا المُناخ، بدأت البوليساريو تحضيرها لمعركة كبيرة، كان من شأنها ان تضع البوليساريو في خارطة العالم، المعركة التي ستُحدد ما قبلها وما بعدها في حرب الصحراء الغربية.                                                                                 
      في كّلتة زمور كان يتمركز الفوج الرابع للجيش المغربي، الذي يضم ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسة مئة جندي وقواعد مُدججة بأحدث انواع الأسلحة القتالية.                                                                                 
      كان الخبراء المغاربة يعتقدون أنه من غير الممكن الهجوم على قواتهم المُتمركزة في كّلتة زمور، لأن جغرافية وتضاريس الأرض مواتية تماما لهم. هذا إضافة الى العدد الكبير للقوات المتمركزة والعتاد وحقول الالغام والخنادق والمؤن والخدمات اللوجستية الكافية لمدة اثني عشر شهرا، جنبا الى جنب مع تحليق طائرات الاستطلاع المستمر، التي ترصد جميع تحركات وحداتنا القتالية. كل هذه العناصر حولت كّلتة زمور الى قلعة قوية جداً. وبما أنهم لم يكتفوا بما لديهم من عتاد، قاموا أيضاً بقطع جميع الأشجار والشجيرات حول محيط كّلتة زمور لتجنب أي تمويه يسمح لوحداتنا المقاتلة التقرب من الكّلتة دون ان يتم اكتشافها.                                                                           
      ولقد وصل شهر أكتوبر 1981 و وحداتنا منذ أشهر عدة لم تُسجل معركة من تلك التي "تكّلع شيء عن لخلاكّ".                                                    
      حجم المعركة هذه، أجبر قادة البوليساريو بوضع كل الموارد المُتاحة، بشرية كانت او مادية، في أقصى الاستعداد.  بمعنى أنه عمليا، الجيش الصحراوي بأكمله كان في جبهة القتال. سجل التاريخ آنذاك أن تلك كانت هي المرة الأولى التي يتصرف فيها جيش التحرير الشعبي الصحراوي وكأنه جيش نظامي كلاسيكي. على أرض المعركة، كانت تتواجد الناحية العسكرية الاولى والثانية والثالثة والرابعة وفيلق من الخامسة وفيلق المدفعية وفيلق السلاح الجوي. لقد تم ذكر فيلق المدفعية وفيلق السلاح الجوي كهيئات مُستقلة عن النواحي العسكرية، لأنه آنذاك كانت البوليساريو تفتقد العدد الكافي من هذا العتاد لإدماجه في كل النواحي. لازم التذكير بأن البوليساريو، في تلك السنوات، كانت تشن معظم المعارك في الأراضي المغربية. ونتيجة لذلك كانت وحداتنا تتمركز في الجزء الشمالي من الصحراء الغربية، وعلى وجه الخصوص في النقاط التالية: الناحية الأولى في واد الساكّية، ما بين "توكات" و "لحصيات". الناحية الثانية ما بين واد "الرتمية" و "لمكّاسم" لتُراقب عن كثب مدينة السمارة. وفي شمال ذلك، في واد "أكسات" كانت تتمركز الناحية الثالثة، على القرب من "الفوار"، وكان لها بُستان هناك. الناحية الرابعة، ما بين "آمكّالة" و "بودريكّة". والناحية الخامسة في "لمسامير" شمال شرق "أزمول النيران". كما هو واضح، وحداتنا المقاتلة كانت مُتمركزة بعيدة عن مكان المعركة.                                                                                 
في الصورة، مواقع تمركز النواحي العسكرية.                                                            
                                                                              
      من جهتها، "لحجر" وهو الاسم الشعبي ل كّلتة زمور، تقع في الوسط الشرقي للصحراء الغربية، على بعد 250 كلم جنوب شرق العيون و على 140 كلم في نفس الاتجاه الجنوب الشرقي من "بوكراع" و300 كلم شمال شرق الداخلة وتبعد 90 كلم جنوب غرب "آمكّالة" و90 كلم غرب مدينة بئر أم أكّرين الموريتانية. في حد ذاتها، كّلتة زمور هي بركة من مياه الأمطار تقع على قمة تل. و تُجاورها مجموعات أخرى من التلال، نذكر منها في الشمال: "الظلوع"، في الشرق الشمالي: "العائديات" و "لثلثيات" و آغملزيت"، في الشرق الجنوبي: "إشركّان"، في الجنوب: "آوزيرفت" و كدية "الرجلية" و "كّور الفياظ"، في الغرب الجنوبي: " كّور لمحاجيب"، في الغرب: "كّور أبريبرات"، في الغرب الشمالي: "آكّلاميم" و "كّور النخالة".                           

في الصورة، موقع كّلتة زمور
       ولكن الكنز الأكثر سرية و تكتما لدى البوليساريو كان يتضمن وحدات من المشاة الميكانيكية و وحدة من الدفاع الجوي "سام6" الذي كان يُحضِر تدخلهم لأول مرة في تاريخ القتال.                                                                             
      صمت مُميت ومُطلق كان يَلف كل ما له علاقة بتلك الوحدات الجديدة التدخل من اجل ضمان تأثير عُنصر المفاجأة في يوم المعركة.                                    
      لذلك تم تمركز هذه الوحدات في أماكن مُختلفة عن باقي الوحدات. في "لرجامية" تمركزت دبابات "ت54" و "ت55". في تيرنيت، عند لوتاد أم السروز، تمركزت وحدات "بي ام بي". في "الرخامية" تمركزت وحدات "بي تي ار". من جهتها، وحدة السلاح الجوي الجديدة، "لكواذرات"، تم فصلها عن فيلق 6 جيم، لتصبح وحدة مُستقلة.                                                                                   
      الحاجة المُلحة لتفادي الكشف من قبل الرحلات الاستطلاعية المستمرة لطائرات "هرقل" "سي 130"، المعروفة عند مُقاتلينا باسم "الكيشافة"، والتي كان المغرب يستعملها كطائرة استطلاع، قادرة على التحديد الدقيق لمواقع وحداتنا و إرساله الى طائرات أخرى مُقاتلة لِمُضايقة وحداتنا، تلك الحاجة أجبرت وحداتنا على التنقل فقط في الليل.                                                                                  
      لذلك، أيام قليلة قبل يوم المعاد، دون أضواء وتحت ظلام الليل و مُسترشدين فقط بنجم "السُهيل"، شرعت وحداتنا في رحلتها نحو الجنوب الغربي، مُتجهين الى كّلتة زمور. على سبيل المثال، الناحية الثانية انطلقت ليلاً من "الرتمية" ومرت بواد "أكّريزيم" و "تدايقت" و "بودريكّت تيغرت" و أوديات لخيام و "أخنيكّ زنتمات" حتى الوصول الى "آكّويليلات"، شمال الكّلتة. من جهتها وحدات الناحية الثالثة تمركزت في "الظلوع" و "أودي الكّزاح". جميع النواحي قامت برحلات مُماثلة ودوما ليلا.     
      لازالت الطريق أمامهم ستُتيح الفرصة لمُدة قصيرة من الرخاء و الارتياح، قبل يوم "لكريها"، أين سيقومون بنَحر عدد من الإبل في عيد الأضحى، الذي تزامن مع يوم 9 أكتوبر 1981.                                                                   
      بما ان وحداتنا لا يمكنها التحرك خلال النهار، يُقال انه يوما من تلك الأيام، أحد الضباط ذهب بعيدا عن مكان تمويه الوحدات، وبعد عشرات الكيلومترات من السير على متن سيارته، ألقى نظره على خيمة من البدو الرُّحل. قرر الضابط الاقتراب من تلك الخيمة ليتناول الشاي. وبينما كان يحتسي الكأس الثاني من الشاي، أشعرته الام المُسنة أنها في الليلة السابقة سَمعت حركة بعض القوات ولكن ضوضاء آلياتهم ليس كآليات البوليساريو المعتادة وأنه ربما العدو يتواجد بالقرب من مَراحها. لذلك تخشى إمكانية الرحيل من ذلك المكان، وسألته هل لديه هو معلومات عن تلك التحركات. حينها استدرك الضابط بدهشة، مدى حساسية السمع عند اهل البادية التي تمكنهم، في الليل، من التمييز بين آليات العدو وآليات الصديق إنطلاقا فقط من ضوضاء آلياتهم وكيف بإمكان سيدة مُسنة، لا تملك من وسائل التنصت إلا حاستها السمعية، ان ترصد ما كانت البوليساريو جادة منذ زمان في إخفائه. قبل مُغادرته ولتطمئن العجوز قال لها ان المكان مازال آمن وانه بإمكانها ان تبقى فه.                                      
      لربح معركة في ظروف غير مواتية للغاية كما هو حال كّلتة زمور، كانت البوليساريو تُعَول على عُنصرين لهما أهمية حاسمة في المعركة: الأول هو عامل المفاجأة، والثاني وهو الأهم، هو تدخل مُعدات حربية جديدة يتم استخدامها لأول مرة من طرف البوليساريو، وبالتالي المغرب يجهل وجودها في أيادي البوليساريو.                                  
      المُعدات الجديدة تلك هي، في الأساس، صواريخ "سام6"، المعروفة باسم "لكواذرات"، كسلاح مُضاد للطائرات و "بي أم بي" وهي مدرعات سريعة ومُخيفة قادرة على نقل المشاة بسرعة الى الخطوط الامامية لإطلاق النار، المعروفة باسم "الناقلات"، بالإضافة الى دبابات ت54 وت55 ومدرعات "بي تي ار" ومدرعات "كسكافيل". باختصار، أقدمت البوليساريو على أكبر مُغامرة في التاريخ و وضعت فوق أرض ميدان المعركة تسعين آلية مدرعة جديدة:                                              
     عشرون مُدرعة "بي ام بي" و10 دبابات ت54 وت55 و30 مدرعة "بي تي ار" و 30 مُدرعة "كسكافيل".                                                                          

      من نافل القول ان البوليساريو أختارت أفضل كوادرها للتدريب والتعليم في إدارة الأسلحة الجديدة. و قد قامت بذلك بتمام السرية. الكثير من وحداتنا القتالية ما كانت تعلم ان البوليساريو وضعت بجنبهم هذه الآليات المتطورة وخاصة فيما يتعلق بصواريخ "سام6".                                                                               
       عائق آخر امام البوليساريو هو قلة وسائل الاستخبارات العسكرية. بمعنى أنه لتخطيط هجوم على موقع مُعين، كانت البوليساريو قليلة المواد التقنية والبشرية لدراسة وتحليل ومعالجة المعلومات المتعلقة بالقوات وبالجنود وبالمعدات المُنتشرة هناك من قبل العدو. ولملء هذه الثغرات كانت البوليساريو تمتلك بُندقية لم يستطع المغرب الحصول عليها: جرأة رجال مُستعدين لصنع المستحيل.                                         
                                    
     
      وبما ان العتاد والأجهزة الجديدة زادته شجاعة، قرر البوليساريو أخد الثور بقرنيه وكأنه مُصارع الثيران، ودخول كّلتة زمور من الأماكن القليلة المُتاحة والجد مُحصنة. وهذا يعني أن وحداتنا ستدخل، على وجه التحديد، من الأماكن التي يتوقعها المغرب وبالتالي كانت تنتشر فيها كل أنواع العقبات. وهكذا، بحضور القيادة العسكرية في عين المكان، تم تخطيط المعركة.                                                                                
      دور المحور المركزي، "المحرض"، أسند للناحية الثانية وعلى رأسها كتائب المشاة الميكانيكية التي أسند لها الدخول من الشمال الغربي، من شلخة اللبن، لتتجه نحو "الفورتي الاسباني". كُلفت الناحية الثالثة بالدخول من الشرق، من رؤوس "آكّويليلات"، لتتجه نحو القلعة. اما الناحية الرابعة كُلفت بالدخول من الغربي.       
      الناحية الأولى أسند لها التمركز في واد "التيوس"، شمال غرب الكّلتة، للتصدي لأي مساعدة او تعزيز قادم من بوكراع او من العيون لتفادي إمكانية العدو مهاجمتهم من الخلف. الكتائب المُشاركة من الناحية الخامسة أسند لها دور التمركز شمال كّلتة زمور للتصدي للنجدات القادمة من السمارة ولضمان ممرات التوريد واللوجستية لوحداتنا.                                                                               
      خسارة صغيرة في الانبوب الضاغط للهواء في منحدر الانطلاق ل "لكواذرات" أجبرت تأجيل المعركة لمدة 24 ساعة.                                                          
      مُبرمجة مبدئياً لِتتزامن مع يوم الوحدة الوطنية، 12 أكتوبر، معركة كّلتة زمور ستبدأ يوم 13 أكتوبر 1981، أربعة أيام بعد عيد الأضحى سنة 1401 هجرية. في ذلك اليوم، وبعد الحادية عشرة ليلا، كان ضباط الصف لوحدات المشاة الميكانيكية مجتمعون، على الجانب الغربي من الكّلتة، لوضع اللمسات الأخيرة للمعركة. عدت ساعات قبل ذلك، جميع وحداتنا القتالية تلقت الأمر الشهير: "تحضير العشاء والغذاء". ما يعني أنه في تلك الليلة لا يمكن شعل النار وأن اليوم الموالي، يوم الثالث عشر، وعَد أن يكون يوما طويلا.                                                                            
      لحظات قليلة بعد ذلك، على الساعة الواحدة ليلاً من يوم الموعد، 13 أكتوبر، بدأت كاسحات الألغام المحمولة على الدبابات بتمهيد الطريق من مضيق "شلخة اللبن". بكل ثقلها و صوتها شرعت في إزالة الألغام من تلك المضيق تحت جنح الظلام و رحمة وحدات الاستطلاع التي كانت تُراقب عن كثب أي تحرك عدواني من الإتجاه الجنوبي و الشرقي.                                                                              
       في اللحظات الأولى من الفجر بدأت "الكيشافة" تُعيث فساداً في سماء كّلتة زمور. وفي تلك اللحظة بالضبط، تم إطلاق صاروخ "سام6" الذي اصطدم بأكمله مع "الكيشافة"، طائرة الاستطلاع المغربية الشهيرة، ليُحطمها نحو الأرض ويضمن وفات ملاحها، السيد بلحاج. ذلك الصوت وانفجار "الكيشافة" في سماء الكّلتة كان بمثابة إشارة للمقاتلين، بأن المعركة فعلاً قد ارتسمت، والبعض منهم لازال في صلاة الفجر في مُختلف أماكن تمركزاته، رأى بعينه ضوء تلك الإنفجار في السماء، بينما الرجال الذي كانوا في كاسحة الالغام، لم يشعروا بذلك الصوت لأن صوت الكاسحات كان يمنعهم من سماعه.                                                                                 
      في هذه النقطة، لابد من التذكير أنه لمدة طويلة من الزمان كان التفوق الجوي المغربي لا جدال فيه، والأخطر من ذلك، كان تلك التفوق يُهدد معنويات مقاتلي وحداتنا العسكرية. في الواقع، لعدة سنوات كان ممكنا تلخيص شكاوى جميع المقاتلين في شكوى واحدة: "يجب على القيادة السياسية أن تحصل على سلاح لردع الطائرات". شعور تلك السنوات تعكسه عبارة شهيرة لمقاتل صحراوي حين قال: "انا أعترف بالبوليساريو، ولكن كي أعترف بالجمهورية الصحراوية يجب عليها أن تأتينا بسلاح يُمكننا من إسقاط 'الكيشافة" وغيرها من الطائرات".                                                                   
       وفي لحظة الفجر تلك، في سماء كّلتة زمور المجيدة، وحدات الدفاع الجوي الصحراوي، المُتمركزة شمال الكّلتة، إرتقت نحو قمة المجد لإسقاطها طائرة العدو "الكيشافة". بعد تحطُم هذه الطائرة، ولو تمكن الجيش المغربي من بصق محيطات من النار، ما كان يمكن لأي شيء أن يمنع زحف وحداتنا.                              
      لتمكين قوتنا الضاربة الرئيسية، "المحرض"، من تقدُم في ظروف مقبولة، قررت البوليساريو أن تشرع الكاسحات المحمولة على الدروع في إزالة الألغام في مضيق "شلخة اللبن"، على بعد 20 كلم، في مُنتها المرتفعات الشمالية الغربية للكّلتة، من حيث سيدخل المحور الرئيسي المُهاجم على أقدام كاسحات الألغام و كذلك الجانبين المُساعدين للمحور الرئيسي تلك.                                                                          

         في الصورة، مضيق شلخة اللبن، و هو المضيق الذي عبرته مُدرعات البوليساريو الجديدة لِتتجه، بعد ذلك نحو اليمين، يعني نحو الجنوب.                        
      بعد عبورها "شلخة اللبن"، توجهت وحداتنا جنوبا، نحو المرتفعات الشمالية لكّلتة زمور، بمنطقة آكّويليلات، لتصل في صباح نفس اليوم الى الفورتي الاسباني تاركتا جنود الغزاة فارين نحو الجنوب الغربي، نحو "لمحاجيب".                                      
      ولكن التحطيم الباكر ل "الكيشافة" أدّى إلى تسريع العملية برمتها، وأجبر على فك الكاسحات عن الدروع قبل الأوان المتوقع، لتمكين الدبابات من مهمتهم الهجومية، لأن المعركة تسارعت كلها. هذا ما أدى الى ان المشاة الميكانيكية، التي كانت البوليساريو تُعلق عليها كل آمالها، أجبرت على المرور عبر حقول مليئة من الألغام، مثل بقية وحداتنا المقاتلة.                                                                                 
      من جهتها، وحدات مدفعيتنا، وخصوصاً "اوركّ ستالين" المتمركزة استراتيجياً في "كّارة أودي آسكاف" البيضاء، بدأت تُدفق كل ما لديها من قوة نارية على مواقع العدو، لتحولها الى جحيم حقيقي. في تلك اللحظة، وحدات مُشاتنا الميكانيكية بدأت دخولها في خطوط العدو الامامية. وبعدها، فوق ظهور لاندروفر الأسطورية بدأ تقدم ما تبقى من وحداتنا المُقاتلة، من ثلاثة جبهات مُختلفة، بسرعة شيطانية و هي عابرة ألسنة النيران التي كانت تنفثها مدفعية العدو. وهكذا تمت مفاجأة الفوج المغربي الرابع وهو في قفلة وعامل المفاجأة أثمر كل فعاليته. وبهذه الصورة كانت "كّلتة زمور" المجيدة قد قدّمت أفضل بداية ممكنة لذلك اليوم، الثلاثاء، 13 أكتوبر 1981، يوم لا يُنسى، يوم 14 من شهر العيد، بالقمري، سنة 1401 هجرية.                                              
                                                                                
      ولكن تلك الإشارة الصوتية فوق سماء "كّلتة زمور" قد أيقظت، على الأرض، كل القوات المغربية وحذرتها من ما هو آتي إليهم. ردت فعلهم السريعة و أطلاق النار المُكثف لمُعارضة تقدم وحداتنا، إضافة الى التضاريس الصعبة للغاية التي تُتيح لهم إطلاق النار، من الفوق على عدو قادم إليهم من الأسفل، كل هذه العوامل أجبرت القيادات الميدانية على تغيير الطريق و مسار تقدُم وحداتنا المُقرر أصلياً. ونظراً لعقبات التضاريس الكبيرة وتحصينات العدو، فُرض على وحداتنا أن تتعامل مع نيران مُكثفة قادمة من خطوط العدو المُتخندقة استراتيجياً في المُرتفعات، واحدة تلو الأخرى، لتعزيز بعضها البعض وتمكينها من أكثر مُقاومة امام تقدم وحداتنا.                                    
      وبالرغم من أنه خلال الساعات الأولى من القتال، تمكنت وحداتنا من تقدُم مُنتظم ومُستمر، إلا أن المخطط التقليدي القائم على عمود مركزي وجناحين، على كلا الجانبين، المُطبّق عادة من قبل البوليساريو، تم تغييره على الفور. لذلك، على سبيل المثال، وحدات الناحية الثالثة، بعد تسلقها الشاق للمُرتفعات الشرقية حتى وصولها لرؤوس آكويليلات، كان عليها ان تغَير مسارها قليلا نحو الغرب، لتلتقي مع "المحرض" عند المدخل الشمالي ل "الفورتي الاسباني".                                          
                                          


محاور الهجوم على الكّلتة. "محرض مركزي و "خالفتين" على كلا الجانبين. معركة كّلتة زمور 13 و 14 أكتوبر 1981.

       في ذلك الصباح من نفس اليوم، بالفعل، كانت وحداتنا قد تقدمت حتى ان وصلت الى "الفورتي الاسباني" وحررته وقامت بتمشيط ما بحومته وبجمع الاسرى.
 صورة ل "الفورتي الاسباني" تم إلتقاطها في سنة 1974. المُصور التقط الصورة و هو مُتجه نحو الشمال. أين يظهر "الفورتي" في وسط المشهد، على المرتفع.
          
       ان الجنود المغاربة، وهم عمليا مهزومين نظرا لدخول آليات رهيبة لم يرونها من قبل تُهاجمهم من الامام، لذوا بالفرار، نحو الجنوب. حقيقة، في ذلك اليوم، مدرعات "بي ام بي" السريعة، "الناقلات"، أوفت بوظيفتها على أحسن وجه. كل ما تقربت من خط من خطوط العدو يبقى فارغا نظرا للذعر الرهيب الذي تُسببه في الجنود المغاربة.                                                                                 
      حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً، وبعد مرور أكثر من خمس ساعات منذ أن طائرة الاستطلاع أرسلت آخر إشارة، أصبح الذعر يجتاح هيئة الأركان المغربية، لأنها ليس لديها أي فكرة عما يجري في كّلتة زمور ولا أي خبر عن طائرة الاستطلاع، "الكيشافة". لذلك قرر المغرب إرسال طائرتين مقاتلتين والاثنتان أقلعتا بسرعة من العيون، لمعرفة ما يجري. الطائرات كانت من نوع "نورثروب آف5" أمريكية، الأولى، و "ميراج آف1" فرنسية، الثانية.                                                       
     بعد إقلاعهما من العيون، نظام التحذير لإحدى الطائرات التقط إشارة رادار أرضي و إتصل بالملاح الآخر ليشعره بذلك. الملاح الآخر رد قائلا أنه ينبغي ان يكون رادار القوة المغربية في السمارة، و تابعوا رحلتهم. وفور وصول الطائرتين أجواء الكّلتة، قامت وحداتنا للسلاح الجوي بإطلاق صاروخ "سام6" آخر، الذي تقلع بحثا عن المقاتلة "آف5" لِيطرقها وتسقط على بُعد 25 كلم، ما أدى الى وفات الملاح، إدريس اليازمي. كانت تلك المُقاتلة هي إحدى الطائرات التي سلمتها الولايات المتحدة للمغرب مؤخراً وتم دفع ثمنها من طرف المملكة السعودية.                                      
       في حدود الزوال كانت سيطرة وحداتنا على ضواحي "الفورتي" سيطرة كاملة الى درجة انها سمحت لوحداتنا التقدم غربًا عبر الطريق المعبدة، طريق بوكراع، نحو "لمحاجيب"، أين توجهت الوحدات المغربية الفارة من "الفورتي" أملا في إجاد مأوى في القاعدة العسكرية المتواجدة في "أكّليبات الفرنان". لقد قام العدو بقطع الطريق المعبدة بكمية هائلة من الحجارة لمنع مرور آليات وسيارات وحداتنا المُهاجمة. و مع ذلك، في حدود الرابعة مساءً كان القتال قد وصل بالفعل الى القاعدة الرئيسية، الواقعة غرب الكّلتة. المواجهة الشرسة استمرت طوال ذلك المساء، لأن في تلك القاعدة الرئيسية تتواجد غالبية المدفعية الثقيلة. مع حلول الظلام كانت هناك وقفة غير سالمة من اطلاق النار المنقطع. في تلك الليلة، إحدى وحدات مُشاتنا الميكانيكية إرتاحت في مقر المستوصف المغربي، في "أكّليبات الفرنان" بعد تحريره، داخل محيط الكّلتة وعلى بعد خمس كيلومترات من المدينة. وحداة أخرى مضت تلك الليلة في باطن كدية "المحجوب المفتوك" جنب لجنب مع العدو.                                                       
      من جهة أخرى، ابتداء من الساعات الأولى من مساء ذلك اليوم كان هناك خبر من طراز تلك الأخبار السريعة الانتشار، كان ينتشر بقوة بين صفوف وحداتنا المقاتلة: " ان الغنائم التي تم القبض عليها تتضمن عدداً كبيراً من الماشية، ماعز وأغنام، كانت بحوزة الحامية المغربية بموجب عيد الأضحى". ومن طبيعة الحال، في ليلة كان مقاتلونا يتمتعون فيها بأمان جوي لم يمكن لهم أن يتصوروه من قبل، كانت حركتهم مستمرة، والكل سكينه في يديه، نحو مكان تواجد الماشية المغنومة، الشيء الذي كاد أن يعطي للمعركة صورة احتفالية.                                                                               
     حوالي الساعة الثالثة فجراً، من يوم 14 أكتوبر، حاولت مُشاة العدو التسلل مشياً على الاقدام ولكن قواتنا تصدت لهم بسرعة وأجبرتهم على التراجع نحو موقعهم. ساعتين بعد ذلك، على الساعة الخامسة فجراً، شنت وحداتنا هجوما شرساً على القاعدة الرئيسية.                                                                              
  الطريق المعبدة نحو بوكراع. و "أكّليبات الفرنان"، أين تتواجد القاعدة العسكرية و مقرات أخرى للجيش المغربي.                                                                    
       ولكن هنا، كان العدو يرمي بكل ما وتيح له من سلاح، من المسدس الى الطائرات. كانت مُقاومة قوية.                                                                     
      في حدود الساعة الحادية عشر صباحا، من يوم 14 أكتوبر، حلق فوق سماء الكّلتة سرب جديد من الطائرات المُقاتلة لقصف وحداتنا. وفي هذه المرة كان الدور لوحداتنا للدفاع الجوي المخضرمة، المعروفة بالسادسة جيم، المتمركزة في "كّلب أكسيكسو"، أطلقت صاروخ "سام9" ليُدمر طائرة من طراز "ميراج آف1" و قتل الملاح، أحمد كيلي. لتكن هذه هي الطائرة الثالثة التي يتم تدميرها فيما يُقارب من 24 ساعة فقط.                                                                             
       قبل الزوال من ذلك اليوم، تمكنت وحداتنا من السيطرة المطلقة على القاعدة الرئيسية ومقر القيادة العسكرية المغربية وكذلك تم القبض على الجنود والآليات المتواجدة هناك.                                                                        
                                                                            
                                                                                               
      حوالي الساعة الثالثة زوالا من يوم 14 أكتوبر، تم تحرير كّلتة زمور واستضافت البوليساريو مجموعة من الصحفيين الأجانب للتحقيق الميداني حول حجم المعركة.        
       بعد تحرير المدينة و زيارتها من قبل صحفيين أجانب قررت البوليساريو النهاية الرسمية لمعركة كّلتة زمور.                                                              
ولكن المناوشات استمرت الى غاية 29 أكتوبر 1981.
الهجوم المُضاد
      في نفس يوم الأربعاء، 14 أكتوبر، وبعد صلاة الظهر، كانت هناك معلومات تُشير الى وجود قوة مغربية تتقدم من الغرب، قادمة من بوكراع. هذه القوة جاءت تحت قيادة العقيد الغجدامي، قائد اللواء السادس.                                               
      وحداتنا لم تُقدّم له أي مُقاومة، بل بالعكس، فتحوا الطريق أمامه. في يوم 15 أكتوبر قاموا بإخلاء مواقعهم، انسحبوا نحو الشمال وبقوا في انتظار.                   
       وهذا لماذا؟
      بسيط جداً. لكي يُشاهد العقيد الغجدامي وجنوده بأعينهم حجم الهزيمة والانهيار الذي أصاب جيشهم. لمُعاينة العدد الهائل من الجُثث الميتة والآليات التي لازالت تشتعل كنتيجة لشراسة القتال. ليتيقن أنه لمُدة يومين، كّلتة زمور، تحولت الى جحيم حقيقي لقواته. بعد مُشاهدته السيناريو المُرعب وتأكده من مدى الدمار والموت الذي أصاب جيشه، العقيد الغجدامي، وبدعم من الطائرات، قرر أن يتجه نحو الشمال لمُهاجمة وحداتنا.                                                                                
      تصَدت وحداتنا بسرعة لهجوم الغجدامي وأجبرته على الرجوع الى الكّلتة، أين تمركزت قواته في جوف بين التلال، تحت حماية الصواريخ المُضادة للدبابات.            
      عندما تَبيَن الخيط الأبيض من الأسود في اليوم الموالي، 16 أكتوبر، هاجمت وحداتنا موقع قوات الغجدامي. بدأت مدفعيتنا تقصف موقع العدو و "اوركّ ستالين" تقذف بكل شحنتها في آن واحد على تلك المواقع. ولكن من حسن حظهم، في ذلك اليوم خيَّم ضباب مُعتبر، أصبحت فه الرؤية بالغة الصعوبة، الشيء الذي وضع مُدرعاتنا على مرمى مدفعية العدو وجعل من الصعب جداً تقدم وحدات مُشاتنا الميكانيكية. وبالفعل، في ذلك الصباح، كانت هناك دبابتان، عند إقترابهما من موقع العدو، تعرضتا لصواريخ، "ميلانو" و "تو" العصرية التي تجهز بها الغجدامي. من حسن حظنا، الضباب تصاعد و وحداتنا تمكنت من الوصول الى الدبابتين المُصابتين و استرجاعهم قبل ان يغنمهم العدو. وبعد استرجاع الدبابتين، تراجعت وحداتنا وخيمت في منطقة قريبة جداً من العدو لمُراقبته.                                                                   
      امام إمكانية خروج قوات الغجدامي نحو الغرب مُتجها الى بوكراع، قامت وحداتنا ببناء كمين في واد "آوليتيس"، 60 كلم تقريباً شمال غرب الكّلتة. ولكن الغجدامي المُتثعلب خرج من مكان آخر بعد الظهر، ومن جديد، لاحقته وحداتنا وأجبرته على الرجوع الى مكانه، أين وصل في أول الليل.                                            
      في تلك الليلة، وحداتنا غيرت موقعها لتراقب عن قرب تحركات العدو، و تمركزت في شمال غرب الكّلتة، في "أم أغريد"، في إنتظار الغجدامي.                                    
      مرة أخرى، الغجدامي يستعرض مهارته كخبير استراتيجي، وبدلا عن الخروج نحو الشمال الغربي، من حيث أتى، يخرج نحو الجنوب. يتعرج مع واد "الفيظة" ويتعمق، جنوب "المنحر"، في "الزبيرة" التي تبعد ما يزيد عن 80 كلم من وحداتنا وخارجة، بشكل كامل، عن مدى مدفعيتنا.                                                     
      وبالرغم أن قوات الغجدامي، التي جاءت لتُعزز قوات الكّلتة، عادت دون أي مجد، كان المغرب قد يلجأ بشكل أكثر الى الطائرات المقاتلات لقصف وحداتنا.    
      وبعد فوات تأثير المُفاجأة أعاد المغرب عتاده وهذه المرة، الطائرات المقاتلة، بأكثر حذر، تعبر سماء الكّلتة شرقاً لتتعمق في الأراضي الموريتانية بحجة حق مزعوم للمطاردة الساخنة. وفعلا قد تم سماع قذائف تلك الطائرات في بلدة بئر أم أكّرين الموريتانية. ولكن موريتانيا، نفس موريتانيا التي نشرت بعض وسائل اعلامها خبر المعركة قبل أن تفعل البوليساريو ذلك، لم تحتج على انتهاك مجالها الجوي ولا على الهجوم على ترابها الوطني. هذا الانتهاك السافر للمجال الجوي الموريتاني، من طرف القوات الجوية المغربية، تم الاعتراف به فعلا، يوم 20 أكتوبر، عند ما كان القتال لايزال مستمر، من طرف الجنرال احمد الدليمي، مُساعد الميدان للحسن الثاني وقائد المنطقة الجنوبية للجيش المغربي.                                                                                 
                                                                                
      دون إنقطاع القتال، في يوم 24 أكتوبر، تمكنت البوليساريو من تحطيم هليكوبتر من نوع "بوما". من جديد وحدات الدفاع الجوي المخضرمة، السادسة جيم، وهي مُتمركزة في "أم أغريد"، ولتجنب ما حدث في مناسبات أخرى، أين طائرات العدو، بعد تصادمها مع الصاروخ، تواصل الرحلة حتى ان تتمكن من الهبوط في أرض آمنة لها. هذه المرة، لتجنب ذلك، تم إطلاق صاروخين "سام9" من سلالم "ب ر د م"، لضمان التدمير الكامل للهليكوبتر. وبالفعل، طائرة الهليكوبتر انفجرت في السماء، ما أسفر عن مقتل إثني عشر تقني مغربي كانوا على متنها.                                            
      مع مواكبة القتال في محيط الكّلتة، لم تهمل البوليساريو ما تبقى من التراب الوطني. و في يومي 17 و 18 أكتوبر كانت هناك هجمات على مواقع مغربية أخرى في "أمزيريكّة" شمال البلاد و في "بئر أنزران" التي تبعد 100 كلم جنوب الداخلة.                   
                                                                      
نتائج المعركة:
1. تحرير كّلتة زمور.
2. إبادة الفوج الرابع بكامله.
3. تدمير وحرق عدد كبير من الآليات.
4. طائرات محطمة:
طائرة الاستطلاع الكثيرة الازعاج، "هركّل" سي130.
طائرتين مُقاتلتين، "ميراج آف1".
طائرة مُقاتلة "فانتوم نورثروب آف5".
هليكوبتر "بوما".
5. العتاد
48 سيارة لاند روفر.
رافعتين.
16 شاحنة "ج م س" واحدة منهم تحمل معدات للمواصلات.
40 سيارة "انيمونكّ".
7 شاحنات صهاريج.
"جيب" قائد الفوج الرابع.
1 سيارة "فوليرا"، سيارة فرنسية الصنع للاستطلاع و الدعم.
2 بنادق 105 مم.
13 بنادق 106 مم.
10 مدافع هاون 81 مم.
2 مدافع هاون 120 مم.
6 بطاريات رشاشة 23 مم.
17 رشاشة 12.7 مم.
1 رادار.
15 بندقية "ماكّ".
23 مدفع قاذف صواريخ الهاوتزر. "آر بي جي 07".
تم أسر 204 جندي و 6 ضباط.
وهناك كمية كبيرة من الذخيرة و الملابس و الخدمات اللوجستية و قطع الغيار، إضافة الى عدد كبير من بنادق "فال".
بقلم : حدامين مولود سعيد

هناك 6 تعليقات:

  1. واليوم اين هي كلنة زمور التي حررتم

    ردحذف
  2. الله ينعل ابوك يا الكداب انا شاركت في تلك المعركة التي اسميها بالغدر و الخيانة ستبقى دائما تلعق نعال اسيادك في المرادية الدين لم تكن لهم هوية ولا تاريخ اما الصحراويون الاحرار فهم في وطنهم كلتة زمور لم تطاها اقدامكم الوسخة لولا ان الحسن الثاني كان لا يرغب في حرب مع الخزائر لتمت ابادتكم يا جردان و اين هو الحبيب ايوب انه في الرباط عاد لاسياده ابناء الملوك احفاد رسول الله خير له من احفاد فرنسا و تركيا.

    ردحذف
  3. السلام عليكم اولا البوليزاريو استعانة بطاقم تقني من سلاح مضادات الجوية قادم من لايبزغ ارسله ،RDA وقد تمكن من تدمير طاءرات المغرب المهاجمة المهم في الاخير انتصر المغرب ونحن الان نشرب الشاي في صحراءنا وانتم تشربون البول في تندوف

    ردحذف
  4. سير الله ينعل طبون مك يا ولد القحبة والله كون ماكنت الخيانة فهاديك المعركة من طرف الجنرال الدليمي الخائن والله لا حطيتو رجليكم فالگلتة يا ولاد القحاب يا الزوامل

    ردحذف
  5. فعلا كلتة زمور الأولى كانت هزيمة لنا و لم تكن لنا الشجاعة الكافية لفتح تحقيق و تم الاكتفاء بالقول إن البوليزاريو امتلك أسلحة جديدة السؤال المطروح ما هو دور الاستخبارات اذا لم يكن هو معرفة أسلحة و اعداد العدو هل يمكن ان نعزو الهزيمة الى تقصير خطير في اداء أجهزة الاستخبارات ؟؟؟؟

    ردحذف

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9