مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 20 مارس 2020

الكرامة لقاحاً ضد فيروس كورونا

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏‏سماء‏، ‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏ و‏طبيعة‏‏‏‏

يهيمن الخوف والهلع في المخابز، والأسواق، والمحطات، والمتنزهات. السيارات متوقفة، والحانات مغلقة، وفيروس كورونا لم يزل يتفشى مثل النار في الهشيم. لم يستطع صده الجدار الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، ولا أسيجة سبتة ومليلية، ولا جدار القدس، ولا حتى جدار العار في الصحراء الغربية. كما أن حق الفيتو الذي تحتكره القوى النافذة في العالم وقف عاجزا أمام هذا المرض.


تصارع الأمم الفقيرة الفيروس نفسه، الذي يجتاح كل أركان كوكب الأرض. الأسواق خالية، والصيدليات بدون أقنعة طبية واقية، في حين أن السوريين يتم استعمالهم ورقة للضغط من طرف العديد من الدول. سيموت اللاجئون جوعا وبردا، ولا أحد سيهتم بمصيرهم.


قد ننقذ المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الإفلاس، ونعزز الأمن، ونطلب القروض لإنقاذ العائلات. لكننا نسينا حرب العراق، وحروب ليبيا، واليمن، وسوريا. كم من القتلى سقطوا جراء الأسلحة المستعملة في تلك الصراعات، والتي رأيتها أنا في صغري في حرب الصحراء الغربية.


ترتعش الدول نفسها المسيطرة على حق النقض، وتجارة الأسلحة أمام فيروس كورونا. إنه انتقام دافيد من جالوت. ويموت اللاجئون في البحر الأبيض المتوسط، ويدفع حرس الحدود البحرية قواربهم الضعيفة في البحر.


الإنسانية مريضة منذ اللحظة التي تركت فيها اللاجئين لقمة سائغة للموت في الحروب. وهذا المرض هو الأكثر شراسة من وباء فيروس كورونا.



كل منا في الصف أمام المخبزة تفصله مسافة متر ونصف عن الآخر تجنبا للعدوى. توصي الفتاة التي تبيع الخبز باستعمال بطاقة الائتمان، وتؤكد أن الأوراق النقدية تعتبر ناقلة للفيروس. وقد ذكرتني الأوراق النقدية، بالبسيطات الأولى التي أعطانيها جدي لشراء الحلوى في مدينة الداخلة وقال لي "تقاسم الباقي مع الأطفال، لا تأكل الحلوى لوحدك".


ستظل بطاقات الائتمان بمنأى من فيروس كورونا، وسيموت أشخاص بسبب أمراض فتاكة. لا نعرف، ليس لدينا لقاحاَ ضد هذا المرض.


كنت جالسا في المنزل أعد مشروبا من العسل، والزيت، وعصير الليمون، وأشاهد وثائقيا حول الطوارق يجتازون صحراء تينيري. يمشون حفاة بوجوه ملثمة، يأخذون بزمام جمالهم صوب واحة بيلما الصغيرة حيث سيقايضون الدخن، والذرة، والفلفل بالتمور والملح التي سيحملونها نحو واحة أغاديز.


ويرافقهم خلال مسيرهم الطويل دليل يعرف قراءة حبات الرمل عند هبوب الرياح. وتتبعه القافلة، لأنه يعرف الطريق الذي سلكه أبوه وجده. إنه القائد، مكلف بعقلنة استهلاك الماء ويمشي بعزم، ويعرف أن نجاحه وفشله يتوقف عليهما نجاح وفشل الطوارق كشعب وجماعة. وعندما يلمح نخيل الواحة، ينفصل عن القافلة، ويرفع يديه المفتوحتين نحو السماء شاكرا نهاية الرحلة الطويلة بسلام.


مصيرنا اليوم مرتبط بشخص يعرف قراءة الخطر ويبعد الخوف. يسير بنا عبر طريق آمن كما يفعل دليل القافلة الطوارقية في صحراء تينيري الرملية.


سننقذ أنفسنا لأننا ملاك الكلمة، والكتابة، والأرقام. علينا أن لا ننسى اللاجئين، والمرضى، وكبار السن، وأولئك الذين لا مأوى لهم. ويجب علينا أن نعرف أن التاريخ يبنيه الرجال والنساء، الذي يقاومون في كل مستشفى ضد هذه الجائحة العالمية.


علينا الكف عن بناء الجدران والأسيجة، ونصنع لقاحا ضد فيروس كورونا، وضد الفقر والحروب. يجب علينا أن نفهم الدرس جيدا. فالكرامة يجب أن تكون هي اللقاح الذي سيقضي على هذا المرض.

بقلم : الشاعر والكاتب علي سالم إسلمو
ترجمة: ناجي محمد منصور

موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9