هو نظام سياسي قد يكون الغطاء الاخضر الجديد لألمانيا التي لم تتخلص بعد من تاريخ اسود صنعته النازية في مرحلة هامة من تحوّل العالم في القرن العشرين . أبحدياته العامة خطٌته امرأة نشأت في المانيا الشرقية و تعلٌمت في المانيا الغربية ، تكوٌنت شخصيتها النفسية في الأولى و تشكٌل منطقها العلمي البراغماتي في الثانية . لم يمنعها كونها امرأة في حزب ديمقراطي مسيحي محافظ و هي ابنة راهب في الكنيسة البروتستانتية من اصل بولوني أن تعتليٓ الريادة السياسة والقيادة الحزبية و الترشٌح لمنصب المستشارة الذي كان ' مستشار'. قدرتها العجيبة في حلٌ المسائل الكبرى و أسلوبها المقنع في النقد و رصانتها في الأخذ و الردٌ مميٌزات خاصة لم ينازعها فيها أحد .
لقد زرتُ ألمانيا و عاصمتها الشاهدة برلين ، و وقفتُ على نقطة الفصل بين الشرق و الغرب Checkpoint Charlie ، و الاكثر من ذلك مشت خطاي منعرجات طويلة على سور برلين الذي يقارب علوٌة أربعة أمتار مات عليه كثير من الألمان الذين حاولوا الهروب من الشيوعية إلى جوار الغرب . ثم ما لبثتُ أن دخلتُ - و الدخول مجاني - إلى متحف كبير بُنيٓ على أنقاض بناية الغيستابو Gestapo أو الشرطة السرية النازية التي تركت إلياذة طويلة الابيات في المٱسي و الأحزان و الالم للشعب الألماني . رايتُ فيه من الشواهد و الوثائق المكتوبة و المسموعة و المرئية ما يقشعرٌ لها البدن و تشيب لها الولدان . لقد اقسم الشعب الألماني الا يعود إلى ذلك العهد الدموي ابدا . كل هذه الصورة العامة التي تشكٌلت في ذهني أقنعتني أن ميركل بإمكانها أن تكون امرأة تغيير كبير من حيث أنها عاشت هذه التناقضات و كوٌنت لنفسها فلسفة علمية دينية اجتماعية تاريخية جعلت منها عملاقة كما يصفها بوريس جونسن بالمصطلح اليوناني Titan.
و انا أتجوٌل في البناية التي يستعملها البرلمان الألماني Bundestag ( أعيد ترميمه سنة 1999و الدخول مجاني و مسموح لكل الناس ) تنقٌلت إلى ذهني تلك الديمقراطية الكبيرة التي وصل إليها الألمان بعد دكتاتورية نازية وصلت بالديمقراطية ثم اغتالتها و عزلت الحضارة الألمانية عن العالم سنوات طويلة . ميركل استطاعت أن تخرج المانيا من عزلتها و ترفع بعض القيم الإنسانية التي تناساها الغرب ، و لعل من أبرزها فتح الحدود للمهاجرين و بالخصوص مليون لاجئ سوري . و لا تكاد تمشي في شوارع برلين أو حتى مدينة بوتسدام إلا و ' كبابيش' ( محلات الكباب) السوريين تخيط بك من كل جانب ، حتى أنٌها ساعدت تركيا ايضا ماليا في استضافة اللاجئين السوريين . و هي التي كانت ترفض باستمرار مشروع فرنسا في بناء جيش أوربي ينافس الجيش الأمريكي ، لأنٌ مشروعها السياسي كان يعتمد على اختزال المشاكل الأساسية في نقاط محدٌدة ثم التركيز عليها بالتخطبط و العمل ، و هي في نظرها الجانب الاقتصادي بالتعاون اساسا مع الصين ، و تحسين الظروف الاجتماعية للعامل الألماني ، و نزع الأسلحة النووية و المحافظة على البيئة . ألمانيا اليوم هي القوة الاقتصادية الاولى في اوربا و الرابعة عالميا - و قد وُفّفقت ميركل في مهامها بصورة كبيرة عندما استطاعت أن تعيد الاقتصاد الألماني إلى وجهته الطبيعية بعد أن عرف انحرافا خطيرا في عهد شنودر .
ميركل و هي في السابعة و الستين من عمرها فضٌلت أن تترك المنصب لشخص ٱخر ، و هي التي حكمت بلدا بحجم ألمانيا ست عشرة سنة حافظت فيها على الائتلاف الحكومي بحكمة و جدارة ، و انقذت اليونان من إفلاس حتمي ، و أفشلت مشروع قانون الهجرة الاوربي اللاإنساني، و استقبلت مليون مهاجر سوري عربي مسلم على أراضيها. حكمت بشرعية الشعب و تركت الحكم بشرعية الشعب و قدٌمت معاني كبيرة في فلسفة الحكم بعيدا عن النرجسية الانتحارية و الزعامة القومجية و الخطابات الماراتونية . فهي قليلة الكلام كثيرة العمل عميقة الفهم متواضعة أمام شعبها ، قدٌمت نموذجا شاملا للمواطنة الفاعلة من خلال تمثيل دور الحاكم ذي الفعالية . و هو السبب الهام الذي جعل 75 بالمائة من المواطنين الشباب لأربع عشرة بلد أوربي يفضٌلونها على كل زعماء العالم . قد تكون 'مارغريت تاتشر' المرأة الحديدية لبريطانيا ، لكن الكثير من البريطانيين لا يحبٌونها و أطاح بها حزبها المحافظ- حتى لا اقول انقلب عليها - بسبب استياء الشعب منها. أما ميركل فأظنٌ أنها عملاقة ألمانيا بامتياز ،أحبٌها الألمان و غير الألمان ، و اختارت بذكاء و حكمة الفترة المناسبة لمغادرة السلطة ، و هي التي تكون تقول دائما أن سياستها مصدرها تربيتها الدينية .
ن.ج
0 التعليقات: