مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 26 سبتمبر 2021

الميركيلزم ..



هو نظام سياسي قد يكون الغطاء الاخضر الجديد لألمانيا التي لم تتخلص بعد من تاريخ اسود صنعته النازية في مرحلة هامة من تحوّل العالم في القرن العشرين . أبحدياته العامة خطٌته امرأة نشأت في المانيا الشرقية و تعلٌمت في المانيا الغربية ، تكوٌنت شخصيتها النفسية في الأولى و تشكٌل منطقها العلمي البراغماتي في الثانية . لم يمنعها كونها امرأة في حزب ديمقراطي مسيحي محافظ و هي ابنة راهب في الكنيسة البروتستانتية من اصل بولوني أن تعتليٓ الريادة السياسة والقيادة الحزبية و الترشٌح لمنصب المستشارة الذي كان ' مستشار'. قدرتها العجيبة في حلٌ المسائل الكبرى و أسلوبها المقنع في النقد و رصانتها في الأخذ و الردٌ مميٌزات خاصة لم ينازعها فيها أحد .
لقد زرتُ ألمانيا و عاصمتها الشاهدة برلين ، و وقفتُ على نقطة الفصل بين الشرق و الغرب Checkpoint Charlie ، و الاكثر من ذلك مشت خطاي منعرجات طويلة على سور برلين الذي يقارب علوٌة أربعة أمتار مات عليه كثير من الألمان الذين حاولوا الهروب من الشيوعية إلى جوار الغرب . ثم ما لبثتُ أن دخلتُ - و الدخول مجاني - إلى متحف كبير بُنيٓ على أنقاض بناية الغيستابو Gestapo أو الشرطة السرية النازية التي تركت إلياذة طويلة الابيات في المٱسي و الأحزان و الالم للشعب الألماني . رايتُ فيه من الشواهد و الوثائق المكتوبة و المسموعة و المرئية ما يقشعرٌ لها البدن و تشيب لها الولدان . لقد اقسم الشعب الألماني الا يعود إلى ذلك العهد الدموي ابدا . كل هذه الصورة العامة التي تشكٌلت في ذهني أقنعتني أن ميركل بإمكانها أن تكون امرأة تغيير كبير من حيث أنها عاشت هذه التناقضات و كوٌنت لنفسها فلسفة علمية دينية اجتماعية تاريخية جعلت منها عملاقة كما يصفها بوريس جونسن بالمصطلح اليوناني Titan.
و انا أتجوٌل في البناية التي يستعملها البرلمان الألماني Bundestag ( أعيد ترميمه سنة 1999و الدخول مجاني و مسموح لكل الناس ) تنقٌلت إلى ذهني تلك الديمقراطية الكبيرة التي وصل إليها الألمان بعد دكتاتورية نازية وصلت بالديمقراطية ثم اغتالتها و عزلت الحضارة الألمانية عن العالم سنوات طويلة . ميركل استطاعت أن تخرج المانيا من عزلتها و ترفع بعض القيم الإنسانية التي تناساها الغرب ، و لعل من أبرزها فتح الحدود للمهاجرين و بالخصوص مليون لاجئ سوري . و لا تكاد تمشي في شوارع برلين أو حتى مدينة بوتسدام إلا و ' كبابيش' ( محلات الكباب) السوريين تخيط بك من كل جانب ، حتى أنٌها ساعدت تركيا ايضا ماليا في استضافة اللاجئين السوريين . و هي التي كانت ترفض باستمرار مشروع فرنسا في بناء جيش أوربي ينافس الجيش الأمريكي ، لأنٌ مشروعها السياسي كان يعتمد على اختزال المشاكل الأساسية في نقاط محدٌدة ثم التركيز عليها بالتخطبط و العمل ، و هي في نظرها الجانب الاقتصادي بالتعاون اساسا مع الصين ، و تحسين الظروف الاجتماعية للعامل الألماني ، و نزع الأسلحة النووية و المحافظة على البيئة . ألمانيا اليوم هي القوة الاقتصادية الاولى في اوربا و الرابعة عالميا - و قد وُفّفقت ميركل في مهامها بصورة كبيرة عندما استطاعت أن تعيد الاقتصاد الألماني إلى وجهته الطبيعية بعد أن عرف انحرافا خطيرا في عهد شنودر .
ميركل و هي في السابعة و الستين من عمرها فضٌلت أن تترك المنصب لشخص ٱخر ، و هي التي حكمت بلدا بحجم ألمانيا ست عشرة سنة حافظت فيها على الائتلاف الحكومي بحكمة و جدارة ، و انقذت اليونان من إفلاس حتمي ، و أفشلت مشروع قانون الهجرة الاوربي اللاإنساني، و استقبلت مليون مهاجر سوري عربي مسلم على أراضيها. حكمت بشرعية الشعب و تركت الحكم بشرعية الشعب و قدٌمت معاني كبيرة في فلسفة الحكم بعيدا عن النرجسية الانتحارية و الزعامة القومجية و الخطابات الماراتونية . فهي قليلة الكلام كثيرة العمل عميقة الفهم متواضعة أمام شعبها ، قدٌمت نموذجا شاملا للمواطنة الفاعلة من خلال تمثيل دور الحاكم ذي الفعالية . و هو السبب الهام الذي جعل 75 بالمائة من المواطنين الشباب لأربع عشرة بلد أوربي يفضٌلونها على كل زعماء العالم . قد تكون 'مارغريت تاتشر' المرأة الحديدية لبريطانيا ، لكن الكثير من البريطانيين لا يحبٌونها و أطاح بها حزبها المحافظ- حتى لا اقول انقلب عليها - بسبب استياء الشعب منها. أما ميركل فأظنٌ أنها عملاقة ألمانيا بامتياز ،أحبٌها الألمان و غير الألمان ، و اختارت بذكاء و حكمة الفترة المناسبة لمغادرة السلطة ، و هي التي تكون تقول دائما أن سياستها مصدرها تربيتها الدينية .
ن.ج

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9