![]() |
دونها زوين محمد من سكيكدة |
على جبل هناك كان يقف بفخر تختبئ بين أشجاره العملاقة دشرتنا الخجولة التي لا تخرج أبدا إلى النور تظل عالمنا الآمن من نظرات الغرباء هي عبارة عن خمسة منازل بجانب بعضها بسيطة مبنية بالطين والحجارة والكبرياء بيتنا أصغرهم سنا أسكن فيه انا شهيدة هكذا أطلق علي جدي الدي يعيش معنا وأبي وأمي وأخي الأكبر مختار كنا البهجة لا تفارقنا .
في صباح يوم جديد نهضت من فراشي على أصوات تبعتها وجدت أبي يجلس أمام المائدة على وجهه ملامح الحزم واخي أيضا ألقيت السلام ... لم يرد علي أحد وجلست قربهما وأمي كأن الطير على رأسها يقف تيبست في مكانها ظلت وافقة دون كلمة .... فاستغربت.... قلت في نفسي مادا يحدث ..... وفنجان القهوة يشاركني دهشتي.... فجأة مذياع جدي بصوته المرتفع ... طائرات العدو الآن تقصف منطقة الأوراس ونطمئن الجميع ان المقاومة مستمرة مادام العدو داخل البلاد..... ومازال لم يتم تقدير حجم الخسائر البشرية والمادية وتابع إلى أن قال على السكان لزوم البيت حتى ينتهي الخطر...نسأل الله الحرية والسلامة للوطن .نعم فهمت مايحدث لا داعي استجواب مابين السطور وعكاز جدي تمنينا في تلك اللحظة الإستناد عليه من كثرة الوهن.
إنه أخي قرر الصعود للجبل والعائلة تجتمع الآن للمصادقة.... بعد صمت طويل خيم على الجميع ....أبي يستل الكلمة من صمته.... يا بني إعلم أنك تذهب من طريق سلكوها قبلك ولم يعودوا ...أول شيء يجب أن تتسلح بالإيمان والشجاعة لأن لقاء العدو في المعركة ليس بالأمر السهل ليكن جهادك في سبيل الله حتى تُكتب عند الله شهيدا ويُدخلك جنات الفردوس.. فهمتني .... سكت مختار ثم تفجر.... إلى متى نعيش أدلاء في وطننا الغالي هم يغرقون في خيراته ونحن يتركوننا للجوع والعراء والفقر. لا يا أبي... لا حياة بعد اليوم في الظل علينا ان نسترد شمسنا من الطغاة ....هدا الحديث بعث في رعشة قوية وهزة لم أشعر بها مرة في حياتي لم أستطع التنفس.... ثم تسللت دمعة أمي خفية عنا تختصر الكلمات......... وجدي أخيرا نطق يا مختار ماشوفتش وراك ...روح ....مايحرر لبلاد غير ولادوا.....ثمن الحرية غالي ماهو ساهل ..وعقب مازال كاين هنا رجال في البلاد...جدي وضع النقاط بقوة فوق الحروف واعطى لمختار دافعا قويا للمضي قدما في هدا الدرب الوعر .
بدأ النهار ينسحب من مواقعه وهدا المساء يطفئ أنوار الفضاء يمهد لولوج المكان للبئر العميق. كنت ألعب في الخارج مع الأصحاب فأحسسنا بزلزال عظيم يضرب الأرض تحتنا ربما هي الغارة لكن لم نسمع الإنذار تحديرا بها كالعادة ....تعايشنا مع هدا الوضع..... من الخوف ركض كل واحد منا إلى بيته ورحنا نختلس النظر من خلف الباب.....هي ثمانية سيارات خضراء تبدوا انها للعدو قادمة نحو دشرتنا إنه الهدوء عندما يعُلم بالعاصفة حتى توقفت في الوسط بدأنا نتساءل .....ياتراهم مادا يريدون ....ومادا يفعلون هنا..... لمادا جاؤوا ........نزل من السيار جندي كان مفتول العضلات ضخم الجسد ...إني الآن أرى دوي دقات قلبي .....وتوجه إلى بيت صديقي عيسى....أطال عندهم في الداخل حتى سئمنا الصبر... ثم خرج ونادى ...إقترب منه جنديان ودخلوا جميعا وخرجوا بأخ عيسى يُجر على الأرض حافي القدمين بثياب النوم وأمه تنوح وتصرخ وتمسك بقميصه بشدة...... راجعوهولي ما دار والوا...وليدي ....وليدي ...هدا لي جابتوا بطني ...وليدي خليوه...يايما .....يايما ..وان دايينك ......يا الكبدة...... كان مشهدا محزنا جدا ....تألمت حينها أني لم أكن رجلا فالمرأة في مجتمعنا مكانها البيت تطبخ وتنظف وتكنس وتغسل وتنجب الشهداء وتراهم يغرقون في الدماء....... إلى أن وضعوه في السيارة وبقيت تنادي وليدي ...وليدي.. وشُغلت المحركات وسارت السيارات إلى أن إختفت بين الأفنان الكثيفة ولم نرى مند دنك اليوم اخ عيسى وانقطعت عنا أخباره ومرت أيام ... انتشر القيل والقال في الدشرة انه ربما قتلوه ...أو أخدوه إلى مراكز التعذيب المعروفة ليعترف بمخابئ رجال المقاومة وخططهم وتحركاتهم ....علها تسربت معلومة أنه يتعاون معهم. ..فالقومية هكذا ندعوهم عيونهم بيننا ....وأسلحتهم التي تحسن الغدر ... وأدانهم التي تجيد إخلاس الصوت والصمت والأنفاس كدلك...أو أنهم يقبضون على فئة الشباب للقضاء على الثورة في رحمها فهم مشروع مقاومة..
في ليلة بارة جدا نحن في أول الشتاء لكنه يهدد بصقيع شديد يُقبل... كنت أنا قرب الموقد أراقب النار تنهش حطيبات ضغيفة داخلها... أراها تتلد بطعمها.... أبي يجلس على كرسيه بجانبي يرتشف من فنجان قهوة يستحيل أن يفرغ... وجدي يُلمع بندقيته العتيقة العذراء بقطعة قماش مخصصة لدلك ...يعاملها كإبنته...........إنه يهيئها لأمرما... وأمي تعد الكثير من كسرة الخبز كأن سنين يوسف العجاف تستدير نحونا كانت الحركات داخل البيت كلها مشبوهة واخي مستلقي على حصيرته ينظر في السقف يفكر....شيء يشغل باله ..الكل كان يستعد لمادا ....ثم ذهبت للنوم لكنه رفضني وتقلبت كثيرا دون فائدة..... التفكير عدوى تفشت في الدار..... بدأت أسأل أين أخ صديقي عيسى لقد مر على أخده شهر..... هل هو حي ....أم تحت التراب....هل سيأتي الدور على أخي .....المهم هاجس الخوف سيطر علي في تلك الليلة وما أطولها من ليلة.
وفي الغد زالت رائحة قميص اخي من جدران البيت...من ثيابه التي تنسى كثيرا....من أوراقه وأقلامه الراكدة.........من آخر ذكرى تقاسمناها.... وتحتضر الذاكرة.....أول مرة تعطل السؤال في حنجرتي..... لم أستطع إحياء جملة مفيدة....تشللت الفرحة داخل العائلة .....وأمي تنتظر غيبا قرب الباب عله يغير رأيه ....فالبشير لن يعود بريح أخيه...قد تخلص منه أيضا....والصبر الجميل مازال يزين جدراننا الحزينة.....ويعقوب سيبقى ضريرا إلى الأبد.....وأبي يستعد ليذهب للعمل في أرض العدو التي سماؤها...و أسفلها لنا ....وجدي يتمتم بكلام مقيد المعنى....إنتزعت الإجابة كاملة من الصورة المبهمة بيننا وهضمتها .....وجلست عند النافدة أممر نظرات بين الجبال المغادرة قلت حتى أنت ... أبحث فجرا ضاع في زمن ما منا....... كان السحاب يتحطم كلما وصل لنا.......وهجرت الطفولة الروابي.
0 التعليقات: