![]() |
صالح القلاب |
عندما انطلقت الثورة الجزائرية في عام 1954 كان أهم قرار لها أنها منعت إنشاء أي حركة أخرى غيرها، وكانت في أحيان كثيرة قد لجأت إلى القوة الرادعة بالفعل لمنع ظهور أي قوة منافسة لها وهذا بقي متواصلاً ومستمراً حتى الانتصار في عام 1962، حيث ما لبث رئيس أركان قوات هذه الثورة المظفرة هواري بومدين أنْ أقصى أحمد بن بلا ووضعه في السجن لفترة طويلة وحصر السلطة والحكم بكبار ضباط جيش التحرير منذ ذلك الحين وحتى الآن، مما مكَّن هذا البلد من الصمود في وجه كل المحاولات التقسيمية والانشطارية التي تعرضت لها الجزائر.
على أي حال أن المقصود هنا هو أن الثورة الفلسطينية لدى انطلاقها في عام 1965، بقيادة حركة "فتح"، لم تأخذ بالتجربة الجزائرية وتركت الأبواب مفتوحة لكل من أراد أن يكون له تنظيمه الخاص، وهكذا فقد لجأت حركة القوميين العرب بقيادة الدكتور جورج حبش إلى حل نفسها لحساب إنشاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ما لبثت أن أصيبت بداء التشرذم والانشطار، فأصبحت هناك الجبهة الديموقراطية بقيادة نايف حواتمه، والجبهة الثورية بقيادة (أبوشهاب) العراقي، وجبهة النضال الفلسطيني والجبهة الشعبية –القيادة العامة- بقيادة أحمد جبريل، ثم بعد ذلك شكل البعثيون في سورية طلائع حرب التحرير الشعبية -قوات الصاعقة-، ولاحقاً شكل البعثيون في العراق جبهة التحرير العربية ثم انشق صبري البنا "أبونضال" وشكل تنظيماً أصبح لاحقاً عند ليبيا القذافي كتنظيم إرهابي، ثم شكل الإخوان المسلمون بعد اثنين وعشرين عاماً "حماس"، وكانت ليبيا قد شكلت حركة الجهاد الإسلامي، مما جعل الأمور تصل إلى ما هي عليه الآن.
وهنا فإن المؤكد أن ظروف الجزائر في تلك المرحلة المتقدمة هي غير ظروف فلسطين، ولهذا فإن أهمية وميزة الثورة الجزائرية أنها انطلقت من الداخل وأنها عملياً بقيت وحتى الانتصار في الداخل، في حين أن الثورة الفلسطينية قد انطلقت في الخارج وأنها عملياً بقيت في الخارج مما جعلها عرضة للتدخلات العربية المعقدة وبخاصة من قبل الدول التي تعد نفسها ثورية أو "تقدمية"، وهذا هو الذي أوصل "فتح" ومنظمة التحرير.. وأيضاً السلطة الوطنية إلى هذه الأوضاع الحالية الصعبة ومكَّن "الإخوان المسلمين" بدعم قطر وتركيا من اختطاف قطاع غزة الذي بات يحكمه السفير القطري محمد العمادي بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل.. و"على عينك يا تاجر" كما يقال.
منقول عن الرياض
0 التعليقات: