تشهد قضية الصحراء الغربية من بداية السنة الماضية حراكا متسارعا في كل مساراتها يؤكد توجها عاما إلى إكمال مسلسل تصفية الاستعمار بآخر مستعمرة افريقية،
ففي حين يزداد موقف الاتحاد الإفريقي يوما بعد يوم قوة ووضوحا ويحاول المغرب الذي عاد مؤخرا إلى هذا المنتظم الإفريقي التهرب من قراراته الداعمة لحقوق الدولة الصحراوية العضو المؤسس له قائلا أن القضية بيد الأمم المتحدة وانه على الاتحاد الإفريقي تركها هناك ويجلس بكل هدوء الى جانب الدولة الصحراوية معترفا بالامر الواقع في كل عواصم العالم من آديس وابيدجان حتى طوكيو وابريكسل فإن الانظار تتجه الى الامم المتحدة من جديد و التي في اجندتها للشهرين المقبلين جلسات مهمة منها جلسة ثانية من المفاوضات المباشرة بين الطرفين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والمغرب بحضور البلدين الجارين موريتانيا والجزائر وستكون هذه الجلسة حاسمة لانها سترسم الخطوط العريضة للتقرير الذي سيقدمه الامين العام للامم المتحدة لمجلس الامن اواخر شهر ابريل المقبل حول آفاق حل النزاع.
كانت الجلسة الاولى من المفاوضات المباشرة الجديدة التي عقدت يومي ٥-٦ من ديسمبر الماضي مقبولة بالنسبة للأطراف عموما وذلك لانها تاتي بعد سبع سنوات من توقف المفاوضات ،ولكنها لم تقدم كثيرا لانها بالنسبة للثمانيني الألماني الذي يقود المفاوضات والخبير بالملف كانت كتعارف ونقاش مفتوح سيضبط من خلاله ساعته على ما هو مفيد حيث صرح في نهايتها إن الحل ممكن وليس مستحيل وانه سيواصل المفاوضات .
لقد نجح فعلا في الجولة الاولى من المفاوضات التي بدات متوترة خاصة بالنسبة للطرف المغربي الذي حاول التدخل فيما يتعلق بالجلسة وشكل الطاولة ومن يبدا اولا بالكلام الى غير ذلك من الشكليات ثم محاولة المغالطات في مداخلته ولكن كل تلك الشكليات تم تجاوزها بسرعة لان طريقة تسيير الجلسة كانت واضحة وجدية ، صحيح أن اهم نتيجة خرجت بها تلك الجولة التي دامت يومين كانت موافقة الطرفين على العودة بسرعة الى جولة جديدة بدون قيد او شرط ينتظر أن تؤدي الى إجراءات عملية لبناء الثقة وبدء مسلسل الاستفتاء الذي ظل مطلبا أمميا لحل هذا النزاع .
من الواضح أن سر قوة الطرح الصحراوي هو وضوحه وشرعيته التي لا غبار عليها والتي تكسب المزيد من الدعم والتضامن بمرور الزمن الشيئ الذي جعل المغرب يزداد عزلة ويدفع فاتورة أكبر لحفظ ماء وجهه داخليا وخارجيا ففي حين تزداد عسكرة الشوارع في العيون والداخلة والسمارة وبوجدور وترتفع وتيرة القمع والتنكيل ويزداد عدد سجناء القضية في السجون المغربية الذين يدخلونها بدون محاكمة واحيانا انطلاقا من محكمة عسكرية بالاضافة الى اغلاق الإقليم أمام الصحافة ومنظمات حقوق الانسان الدولية الأمر الذي يزيد صورة النظام المغربي قتامة وما التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش منا ببعيد، ويزداد الاحتقان والتمرد داخل الشباب الصحراوي في المناطق المحتلة مما يهدد بانفجار كبير بدأت ارهاصاته مع حرق الشهيد احمد سالم لمغيمظ لنفسه أمام معبر الگرگرات حيث لفظ انفاسه الاخيرة بمصحة بالدار البيضاء نتيجة الاهمال قبل اسبوع ، في هذا الجو المحتقن جدا فيما يتعلق بالصحراء الغربية بدون الخوض في مشاكل المغرب الداخلية الطارئة والمزمنة تزداد عزلة الرباط خارجيا حيث بدأ العالم العربي خاصة الخليج العربي يعيد النظر في دعمه للمغرب في قضية الصحراء الغربية فقد شهدت الاسابيع الماضية حملة إعلامية كبيرة قادتها شخصيات سياسية واعلامية سعودية مشكورة بهدف التعريف بالقضية الصحراوية وضرورة حلها وانهاء معاناة الشعب الصحراوي وبالمناسبة فهناك شخصيات سعودية كبيرة تعمل في مجال العمل الخيري تربطها علاقات دعم ومساندة بالشعب الصحراوي وتزوره وتقدم له الدعم منذو سنوات.
كما كان قرار المحكمة الأوروبية الذي اعتبر وجود المغرب في الصحراء الغربية غير شرعي وبالتالي لا يمكنه التصرف في خيراتها، بمثابة ضربة قوية للمغرب حيث أدت إلى عرقلة التوقيع على اتفاقيات الصيد التي تشمل مياه الصحراء الغربية ثلاث سنوات بعدما كانت قبل ٢٠١٥ توقع في خمس دقائق مما يوحي بوعي دولي متزايد وحصل نفس الشيء في الجلسة الأممية السنوية التي كانت تخصص لتجديد عهدة البعثة الأممية للاستفتاء في الصحراء الغربية حيث كان مجلس الأمن يجتمع أحيانا لمدة ربع ساعة كل سنة لتجديد عهدة البعثة الأممية للاستفتاء في الصحراء الغربية التي وصلت الإقليم منذ سبعة وعشرين عاما وكان مقررا أن تنهي مهمتها في سنتين ، ومن ٢٠١٥ أصبحت جلسات طويلة ومتعبة للمغرب تتطلب منه صرف الكثير من المال من اجل ان تمر الجلسة بسلام ومنذ أبريل الماضي أصبحت شاقة جدا حيث تطلب القرار اربع جلسات و تجديد للبعثة لمدة ستة أشهر فقط مع الكثير من الحث على ضرورة التقدم في حل يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير مصيره .
كل هذا العمل السياسي والدبلوماسي والحقوقي الذي قام به الصحراويون سلط مزيدا من الضوء على القوى الأوروبية التي تقف خلف المغرب بهدف نهب خيرات الشعب العربي الافريقي الصحراوي و جعل الصحراويين في هذه الفترة من التاريخ مباشرة وجها لوجه مع الغرب الاستعماري الذي تقوده فرنسا وإسبانيا اللتين فُرض عليهما الكشف عن وجهيهما القبيحين بدون مساحيق وشعارات الحرية والعدل والديمقراطية في كل المنابر الدولية وكان قرار البرلمان الأوروبي الأخير بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس ففي الوقت الذي أصدرت فيه محكمة العدل الأوروبية قرارا واضحا بعدم شرعية الاتفاقية التجارية مع المغرب لاحتوائها على مياه وأراضي وأجواء الصحراء الغربية يوافق البرلمان الاوربي في تحدي سافر لكل قيم القانون الأوروبي والدولي ، طبعا الصحراويون رفضوا الاتفاق وباشروا بإجراءات الطعن فيه .
من نافلة القول فإن قرار المحكمة الأوروبية يستند على قرارات محكمة العدل الدولية في أكتوبر ١٩٧٥ الذي اعتبر أن الشعب هو سيد أرضه وانه لم يكن يوما تابعا لاي احد ، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة التي تعتبر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي وتطالب بإجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي .
لا شك أن القوى العظمى منقسمة حول القضية الصحراوية الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين تدعم جهود المبعوث الألماني وتطالب بتسريع وتيرة عمل البعثة الاممية من اجل إيجاد حل يضمن للشعب الصحراوي حقه في تقرير المصير، وفي جانب المغرب وتعنته تقف فرنسا واسبانيا المستعمرة السابقة للإقليم، و مع بروز وتزايد القوى المطالبة بتسريع وتيرة الحل وإنهاء معاناة الشعب الصحراوي و التفاف هذا الأخير حول قائدة كفاحه الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ونضاله الشرس من أجل استقلاله وعدم قبوله لمزيد من التسويف و المماطلات من الأمم المتحدة والقوى الاستعمارية التي تستغلها لنهب خيرات الشعب الصحراوي، فإن المنطقة قد تعرف توترات بالغة الخطورة إذاء لم يبادر المجتمع الدولي الى انصاف الشعب الصحراوي .
فكما يقول الفيلسوف الهولندي اسبينوزا "إن غياب الحرب لا يعني السلام".
0 التعليقات: