مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 1 ديسمبر 2019

"خَيْرْ مَا جَبْرُوهْ سَنَّيْكْ يَحْرَگْ بَيْ اللِّي طَامْعُ فِيكْ" :

Resultado de imagen de ‫obrero محمد فاضل‬‎
محمد فاضل محمد اسماعيل


إنَّ فكر الانسان ليقف حائراً حين يكتشف ان العرب قبل الإسلام كان لديهم من القيم والمثل والأخلاق ما أهَّلهم لأن يبعث الله فيهم خاتم الأنبياء و المرسلين، محمداً صلى الله عليه وسلم. فالوفاء و الكرم و الصدق بالوعد مع الآخرين حتى دون أن تطلب منهم، (مثلا لا حصرا)، كانت خصالا جميلة قل ما وجدت في غيرهم، خصال اجتماعية خلقية تمثل التفاني في شيء ما يربط الناس ببعضهم عبر درجة من الوفاء يبلغها الانسان بمشاعره بحس خالص أصله الصدق، صدق في القول والفعل معاً، و الوفاء يلزم القيم السامية والمثلى للإنسان ليعيش حياة كاملة ملؤها السكينة وراحة البال، و يمد المجتمع بالاستمرار النفسي و السلم الداخلي، و هي منة من اللّٰه لا تقدر بثمن، و لو انها اصبحت نادرة في كثير من الجتمعات في ايامنا هذه، فمن فقد الوفاء فقد إنسانيته، و قد جعل الله الوفاء قواماً لصلاح أمور الناس و قد عرف الانسان الصحراوي بهذا السلوك الحميد الذي هو شرط من شروط الاسلام و مفخرة اصيلة من مفاخر العرب تحافظ على قوة و تماسك المجتمعات، التي تدمرها الخيانة، الخيانة التي كانت النفس العربية الكريمة ترفضها حتى قبل مجيئ الاسلام.
و قد كانت الخيانة رذيلة لا تحتمل بين العرب لانها كانت معدومة بينهم، حيث أطلق لقب أبو رغال على كل من خان قومه لمصلحته الخاصة. و أكثر الناس خيانة هو ذلك الّذي يعطيك ظهره وأنت في أمسّ الحاجة إلى قبضة يده، و لو ان كل خائن يختلق لنفسه ألف عذر ليقنع نفسه و يوهم غيره بأنّه فعل الصّواب، و يشار إلى أبي رغال في كتب التاريخ العربي باحتقار وازدراء لأنه لم يعرف عن العرب في زمانه من يخون قومه مقابل أجر معلوم.
فمن هو أبو رغال؟، ابو رغال هو شخصية عربية توصف بأنها رمز الخيانة، حتى كان ينعت كل خائن عربي بأبي رغال. وكان للعرب قبل الاسلام شعيرة تتمثل في رجم قبر أبو رغال بعد الحج، وأبو رغال هو الدليل العربي لجيش أبرهة، فما كان الأحباش يعرفون مكان الكعبة وكلما جاؤوا بدليل من العرب ليدلهم على طريق الكعبة يرفض مهما عرضوا عليه من مال، و لم يقبل هذا العمل سوى أبو رغال فكان جزاؤه من جنس عمله أن نعت كل خائن للعرب بعده بأبي رغال.
و إليكَ حكايته أبا رِغَال لِمَنْ لا يعرفه: يُحْكى أنَّ أبرهة الحبشي بنى بيتا ذهبيا سماه القِليس وأراد أن يُحَوِّل العربَ من الحج للكعبةِ إلى الحج لبيته الذهبي باليمن، وما كان العرب لِيَتحولوا عن بيت الله ولو نصبوا فيه الأصنام، فغاط أعرابي في بيت أبرهة يوم تدشينه و افتتاحه، فأقسم أبرهة لَيَهْدِمَنَّ الكعبة التي يحجها العرب دون بيته القليس الذي بناه باليمن، و جهّز جيشا يتقدمه فيلٌ لِهدم الكعبة، ولكنه هو و جنودَه لا يعرفون الطريق إلى مكة لانهم أحباش، فكانت الحاجةُ إلى دليل يرشدهم إلى الكعبة، و لم يرضَ بهذا العمل من بين العرب الا أبو رغال، ليسير امام جيش أبرهة نحو بيت الله، فلما وصل مع أبرهة إلى موضع يسمى المغمس قُرب عرفة مات أبو رغال و دفن هناك، بعد ان أوصل جيش أبرهه لهدفه، ولم يكن لأهل مكة وزعيمهم عبد المطلب بن هاشم قوة على صدهم، و لما استولو على إبل اهل مكة و من بينها ابل عبد المطلب بن هاشم الذي اخلى مكة من سكانها وصعدوا لجبالها تاركين البيت لربه يحميه، قابل عبد المطلب قابل بن هاشم أبرهة ليفاوضه و طلب منه الإبل قائلاً: أنا ربُ الإبل وللبيت ربٌ يحميه، فأرسل الله على ابرهة و جيشه طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول وهلك أبرهة وجيشه، وبقي وبقي اللهم حفوظا بحفظه، و اصبح يشار إلى أبي رغال باحتقار وازدراء لأنه اول من عرف بالخيانة بين العربِ في ذلك العصر، فصارت العرب تنعت كل خائن عربي “بأبي رغال” ليظل رمزا لها عند قومه.
ان شعبنا لا يليق به إلا الوفاء او الفناء، لان الانسان اصله من طين و الشعب الصحراوي اصله من طينة احرار لا تقبل الخبائث. و قد سئل أحد العرب، بأي شيء يعرف وفاء الرجل دون تجريبه واختبار، فقال : "بحنينه إلى أوطانه وتلهفه على ما مضى من زمانه. إن من علامة وفاء المرء ودوام عهده، حنينه إلى إخوانه، وشوقه إلى أوطانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه، و إنّ من علامة الرشد أن تكون النفوس إلى مولدها مشتاقة، و إلى مسقط رأسها تواقة، و للألف والعادة قطع الرجل نفسه لصلة وطنه". و من خان وطنه اقام الحجة على نفسه بانه افاك لا يؤمن احد جانبه. و الدنيا مسألة حسابية، اطرح منها التعب والشقاء، واجمع لها الحب والوفاء، واترك الباقي لله.
ان الشعب الصحراوي المعروف بخصاله الحميدة و شيمه النبيلة المتجذرة يأبى كله انتحال صيفة ابو رغال ولا يرومها منه اصيل، لكونها تتنافى و طبعه الحر الذي تعلم منه ان يعيش بأذانه بدلا من حشو البطون الذي يفسد العقل و ينتن الاجساد و يطمس البصائر، طبقا لشعاره الذي يردده كل فرد منه على الدوام "ميت مشكور ولا حي محگور"، كما نعلم و يعلم كل حر من هذا الشعب ان "الطير األاَّ من فَرْگُ" و "اللي اشكرلك دار لا تحگر دارك"، و بلادي بلادي و لو جارت علي بلادي. ولا تدوم بلاد بدون الوفاء لها، ومن يحب بلاده "يَصْرَطْهَا بَازْغَبْهَا"، ومن طلب العلى سهر الليالي.
2019/12/01
محمد فاضل محمد اسماعيل obrero

موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9