الرئيس الراحل محمد عبد العزيز |
“إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا “محمد” لمحزونون”.
وأخيرا آن لأحد فوارس الثورة الصحراوية العظام أن يترجل، بصمت، وبهدوء وكأنه لم يرغب في أن يزعج أبناء شعبه، أو يشغلهم بما كابده طيلة السنوات الأخيرة في مصارعة المرض.
أخيرا ترجل الفارس من علياء مقاومته، ومضى للقاء ربه بسيطا، كما عاش وهو رئيس الجمهورية، متواضعا، وحليما يعيش بين أبناء شعبه كواحد منهم، يمرض بمرضهم، ويفرح بفرحهم، ويحزن بحزنهم.
أخيرا ترجل الفارس، ولم نسمع منه كلماته الأخيرة، لكننا نستطيع استقراءها من مسيرته التي لم يهن فيها يوما، ولم يخن، ولم يحبط، ولم يتزعزع عن الإيمان بحق شعبه في الحرية، وفي الكرامة.
ترجل الفارس ومضى بعيدا، مثلما ترجل قبله رفاق وإخوة له منحوا أرواحهم وحياتهم وشبابهم وأموالهم لتحرير وطنهم وشعبهم من الاستعمار البغيض ومن الاستعباد ومن القهر.
وها أنا أكتب، وأعجز عن الكتابة عن هذا الشهيد الجديد، شهيد لم يسقط في المعركة، لكنه لم ينم يوما إلا والمعركة في باله، وبين عينيه، يعيشها بجوارحه، ويتابع محطاتها وأصداءها القادمة من كل مكان بقوة وعزم أسطوري، وبقدرة خارقة على التحمل والصبر كان جميع من حوله يقول أنها ليست بشرية.
لكن الجسد لم يستطع أن يقاوم كل الضغوطات التي عاشها رحمة الله عليه، فتداعى شيئا فشيئا حتى انهار في السنوات الأخيرة.
أكتب عنه، ليس لأمدحه، فلا يحتاج مديحا، بل لأنني أريد أن أقدم شهادة للتاريخ عن هذا الرجل، الإنسان، ما دمت لم استطع أن أفعل ذلك في حياته حتى لا يعتبر ذلك رياء أو نفاقا. نعم، لقد عرفته عن قرب، مثلما عرفه كل أو معظم أبناء الشعب الصحراوي، بشكل أو آخر. لم يكن بالنسبة لنا رئيسا للدولة فقط، بقدر ما كان رفيقا مناضلا في قضية تغلغلت في أعماق أعماقه حتى صار جزءا منها، وصارت منه بمكانة القلب.
رحل محمد عبد العزيز، المقاتل، والرئيس، والرفيق، والإنسان العادي البسيط، والرجل السمح المتواضع، والرجل الصلب الذي لا يلين عند المواجهة كما يشهد رفاقه في السلاح، وأيضا الرجل الرحيم العطوف على أبناء شعبه رغم كل ما قد صدر أو يصدر منهم أحيانا في حقه من اتهامات، وتشكيك بعد أن طال الصراع. وكأنهم حملوه وحده ثقل المعركة مع الإستعمار، ولكنه رغم ذلك لم يتذمر، بل تحمل الحمل بصمت، وتحمل النقد بصمت، حتى خبا بصمت.
رحل محمد عبد العزيز، وتركنا وراءه وكأنه يقول لنا جميعا، أنتم الآن لن تحتاجونني بعد، لكنني تركتكم على العهد، فإياكم أن تتخلوا عنه. تركتكم على عهد سقط في سبيله شهداء، وضاعت في سبيله أرواح، وكتمت في سبيله أحلام. تركتكم على العهد وقد مررنا سويا بمراحل مختلفة، ومتباينة، فيها الإنتصارات، وفيها الهزائم، وفيها الخطأ وفيها الصواب. ولكن إياكم أن تشكوا في قدرة الشعب الصحراوي الذي أنجبت أمهاته أمثال الشهيد الولي، وكافة الشهداء، وأنجبت أمثال محمد عبد العزيز، الذي رحل عنا دون ضجيج ليقول لنا من خلف ابتسامته المعهودة: “حرروا أوطانكم أو موتوا وأنتم تحاولون. ولكن إياكم والتراجع عن عهد الشهيد”.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم ماء العينين الاكحل
0 التعليقات: