بقلم نورة سعدي
قال لي زميل له اهتمام بالأدب منذ سنين خلت ما أن انتهى من قراءة بعض نصوصي الأدبية ،إنك تقلدين غادة السمان قلت وفيم رأيتني أقلدها و في أعماقي يتردد صدى شتان ما بين القزم والعملاق شتان ؟قال بعفوية أقرب إلى البلاهة إنك تتغنين بالحب في كتابات قلت مستغربة إجابته تلك وهل غادة السمان هي من اخترع الحب أم أن الكتابة عن الحب مقصورة عليها ؟رد بتلقائية ،أجل أو هكذا يخيل إلي على الأقل ،إنها الوحيدة من بين النساء العربيات جميعا أو ربما نساء الدنيا قاطبة من كتبت عن علاقتها بالرجل بتلك الطريقة المتوهجة المتحررة المجنونة وبأسلوب غاية في الأناقة قلما تأتى لامرأة قبلها أن طرزت به صفحاتها ، تنفست الصعداء وقد وفق أخيرا إلى ما قصد إليه ، فقلت إذن كان يتعين عليك منذ البداية أن تقول لي ،إن أسلوبك في الكتابة يشبه أسلوب غادة السمان ووقتها فقط كنت سأرد عليك دون حذلقة أو مواربة ،هذه تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه إذ ليس من السهل أن تبلغ أديبة أخرى المقام الرفيع الذي بلغته غادة السمان من حيث غزارة الإنتاج والجرأة في الكتابة وثراء الخيال وسلاسة الأسلوب ،،إنها حقا مفخرة الأدب النسوي العربي و العالمي ، أما الكلام عن البوح والحب فحديث آخر ،فالحب كما لا يخفى على أحد شعور فطري بمثابة الوردة الحمراء اليانعة التي غرسها الله من الأزل وإلى الأبد في قلوب بني البشر ،فإما أن نولد بقلب مفعم بفيوض تلك النعمة السماوية أو نولد بقلب صلد متحجر يعجز معه أي إكسير و مهما كان فاعلا أن يغيرنا من حال إلى حال إذاما أتينا هذه الحياة بأفئدة عاجزة عن الشعور بتلك الخفقات الحانية الدافئة التي لا يصبح لوجودنا في حالة افتقارنا إليها معنى ثم ابتسمت و أضفت ،حسنا لقد فهمت قصدك أيها الرفيق إن ثمة حقا شحة في التعبير عن العواطف في أدبنا الجزائري المعاصر وأما الغزل فمفقود في شعر المرأة في بلادنا إلا فيما ندر وهي ظاهرة أعزوها إلى سببين اثنين ، أولهما أن المرأة ما تزال متحفظة في هذا المجال رغم التطورالكبيرالذي بلغته في شتى المجالات وثانيهما تأثرها بتيار الالتزام في الأدب الذي يرى بعض معتنقيه أن التعبير عن العواطف الشخصية مضاد للوعي بقضايا الجماهير، فلا ضير في اعتقادي أن ترسم الأديبة بالكلمات ما يعتمل في أعماقها من مشاعر الحب وأن تكتب أناها كما هي كائنة ، الإبداع لا يقنن وكل نص يقدم للقارئ قيمة فكرية وجمالية بأسلوب رشيق هو فيما أحسب نص ناجح فما بالك إذا كان النص حديث عن الحب ،أو ليست مشاعر الحب هي أسمى الفكرات الإنسانية ؟أليس الحب هو المحرك الفعال لكينونة المخلوقات في مشارق الأرض ومغاربها ولا يمكن لكائن من كان أن يعلم شخصا آخرا كيف يحب أو كيف يعبر عن الحب ما لم يكن ذلك الشخص على استعداد تام ليقوم بذلك من تلقاء نفسه ، فلا عجب إذن أن تراني مقلدة لغادة السمان وقد نشأت في وسط ارتأت نساؤه آنذاك أن التعبير عن مكنونات قلوبهن سابق لأوانه لأسباب يطول شرحها في هذه العجالة لمجرد أنني من حين لآخر أكتب شعرا في الحب ،إن يكن ثمة حقا من فضل لغادة أحمد السمان علي وعلى مجايلاتي الأديبات فإني لا أخجل أن أصرح أن غادة السمان علمتني كيف أتعامل مع الكلمة وكيف أروض الأبجدية وأجعل اللغة تقفز فوق كل الحواجز وكفى بهذا خيرا كثيرا ،أما أخبار الحب و المحبين في تراثنا العربي والإسلامي فكثيرة وقد اطلعت غادة السمان تلك الأديبة المتفردة العملاقة والمتواضعة في آن معا على بعض منها ولطالما رصدت غادة نفسها مدامع العاشقات العربيات واستشهدت بأبيات لهن من الغزل العفيف العذري وأعجبت بها أيما إعجاب، شاعرات سبقنها بعصور ،شواعر اختزلن بجزالة تعبيرهن وعمق رؤاهن الفكرية في بيتين من الشعر ما يغني عما تكتبه الآن بعض الحداثيات في قصائد هلامية مطولة ثم أنشأت أقرأ
يا أيها الراكب الغادي لطيته
عرج أنبيك عن بعض الذي أجد
ما عالج الناس من وجد تضمنهم
إلا ووجدي به فوق الذي وجدوا
حسبي رضاه وأني في مسرته
ووده آخر الأيام أجتهد
***********زينب المرية *****************
كتمت اسم الحبيب عن العباد
ورددت الصبابة في فؤادي
فواشوقي إلى ناد خلي
لعلي باسم من أهوى أنادي
********** علية بنت الخليفة المهدي ***********
ترقب إذا جن الظلام زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسر
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح
و بالبدر لم يطلع وبالنجم لم يسر
********ولادة بنت المستكفي بالله *************
فآليت لا أنفك أبكيك ما دعت
على فنن ورقاء أو طار طائر
**********ليلى الأخيلية *************
ولما أبى الواشون إلا فراقنا
وليس لهم عندي وعندك من ثار
وشنوا على أسماعنا كل غارة
وقل حماتي عند ذاك و أنصاري
غزوتهم من مقلتيك و أدمعي
ومن نفسي بالسيف والسيل و النار
*********حمدة أو حمدونة بنت زياد ***********
أزورك أم تزور فإن قلبي
إلى ما تشتهي أبدا يميل
فثغري مورد عذب زلال
وفرع ذؤابتي ظل ظليل
وقد أملت أن تظمأ وتضحى
إذا وافى إليك بي المقيل
فعجل بالجواب فما جميل
إباؤك عن بثينة يا جميل
*****حفصة بنت الحاج الركونية أستاذة الشواعر في العصر الأندلسي الأخير ****
0 التعليقات: