مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

أبعاد بمقياس القلب ...

الشاعرة و الكاتبة النانة لبات الرشيد

كلما ابتعد يزادد قربا ، ربما لأَنِّي عرفته قصيا كثريا عالقة بسماء الحلم . 
لونه القمحي يمنحني بهجة الخصوبة ، و أشعر و غلالته تلبسني أني أعيش مواسم الجني . 
ذات يوم بعمر الورد كتبت قصيدتي ؛ الموسم الأخير ، حينما واجهتني أسئلة مقلقة عن ماذا فعلت كي أقول حقا أني أخيرا حصلت على وطني ؟ و بقيّت القصيدة و موسمها الباكي و ما حصلت بعد على وطن . 
و يوما على سفح حزن بغيض كتبت أني من خزف الانتظار و مرمر الاغتراب ، و أني إمرأة بثروة من هٌيام و أحتاج لزاوية مٌعشبة من خارطة وطن مسلوب .. زاوية صغيرة ليس الا !!! المهم أن أغتال المنفى قبل أن يفعل بي . 
جرس المخيم يٌقرع ،، فيه تتجسد مقولة أن الحاجة أم الاختراع ، و في زمن عارٍ من كل زهو ، حافٍ من كل تقية ، يصنع المنفيون زمنا استثنائيا يصارعونه بأبجديات عدة . 
الجرس هو إطار عجلة بالية ،، ينصب قرب مدخل مبنى "الدائرة" او على أقرب تلة بها و حين ضرورة الإشعار بأمر ما تقرعه إحدى المسؤولات المحليات ، اذ تضرب الإطار بحجر او وتد فيحدث صوتا ومع وجود مكبرات صوت قديمة الطراز و كثرة السيارات و ضوضائها لم يعد للجرس ذلك الوقع و الحضور السابقين . 
كان أستاذي يبتسم عندما أطلب منه نسخة القصيدة التي طلبته النظر فيها ، يقول لي : و أين مسودتها ؟ فأجيبه بأنه لا وجود لمسودة او نسخة أخرى منقولة لهذا أحتاجها كي أتلوهاخلال حفل المدرسة . وحده كان يعرف أني أكتب نصي دفعة واحدة و ما تزال و قد مضى عقدان عن أول قصيدة تلك هي عادتي السيئة في الكتابة . القصيدة تأتي بغتة و كلها دون انتظار و إلا تركتها خديجا على الورق . 
عليه هو الآن أن يجمع شتاتي و شتاته معا ،، فأنا لا أغير عادات الشعر لأَنِّي ببساطة لا أستطيع و عند عناده أتحول الى قصيدة آبقة . 
سينهرني كعادته : احفظي النصوص و راكميها و يوما ما ستلتحم القريحة بملهمها و ينبثق نجم إبداعك . 
لن اراكم شيئا ،، نكاية بنصائحه العابرة للقارات ، لو شاء لأحتل من قلمي سيل حبره أو غنم من أناملي رقصها على البياض ، لكنه يفضّل تقريعي كطفلة لا تدرك ثمن قلادتها الماسية . 
ككل عيد يمر بصحراء المنفى الرمادية القاحلة الا من أنفاس بشر حالمين ، تقام بقَريتنا القماشية كرنفالات الهزج و ترصعها لوحات التراث الغامر بعمق الهوية .ترتدي النسوة " ملاحف النيلة " و يشددن بالمآزر البيضاء أخصارهن و يخضبن أيديهن بالحناء و يحتدم التنافس بين بلديات كل المخيم . 
على كل بلدية او حي تجسيد لوحة تراثية ما ، كالزواج حسب الطقوس الصحراوية الأصيلة أو العقيقة أو الختان ، الزرع ايضا و الحصاد ، الصيد و " التويزة " و هي اسم العمل الجماعي التكافلي المعروف خاصة لإعداد و بناء الخيمة التقليدية . 
أجد النساء سعيدات جدا بالعودة لطقوس الماضي و رائحته ، يمثل لهن ذلك بهجة الوطن و استقراره ، كانت " الفرگان " تٌعمر واد الساقية بالخيم الهرمية الشامخة و أناشيد الشباب تحت ضوء القمر و أصوات الرعاة و أهازيج الفرح بالقادمين من سفر طويل . اليوم نقبض على الخيمة بإيمان عميق ، حضورها في كل شئ يعني أننا ما زلنا نحن دون تحوير . 
لا أجد في نفسي ما يجدن من حب "ملاحف النيلة " ، منذ البداية علاقتي بهذا النوع من الأزياء سيئة ، اللون الأزرق القاتم الذي يتركه القماش على الجلد و كل ما يلامسه منفر بالنسبة لي ، كرهت تلطخ اوراقي به اذا ما هاجمتني العبارات و أنا أرتديه . ثم أكتشفت فيما بعد أن " النيلة " و الحناء يمثلان للرجل الصحراوي و البيظاني عموما ليلة الدخلة ، فهمًا لباس العروس و زينتها ، و هما أكثر ما يثير هذا الرجل الذي نختلط به في كل مكان . كرهت أن أستتر بلباس رغم سواده و سمكه يجعلني عارية و أن أتزين بزينة لا يمكنني طمسها وقت الحاجة و هي للرجال رسالة غواية ، و تبقى معضلتي أنه أيضا يحب تلك الزينة التقليدية ككل رجال مجتمعه . 

موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9