مي العزام |
عالم جديد...أبل تتمرد 1
يبدو أن العالم الذي نعرفه ينهار بأسرع مما نتصور، لكن للأسف نحن مازلنا متعلقين بالماضى وبتصورنا عن العالم القديم الذي نعتبره الحقيقة المطلقة وما عداه مجرد ظلال لها .
أنا ومن هم أكبر منى سنا ،أجيال تربت على أهمية الكلمة المكتوبة، عبارة «قرأته في الأهرام» كانت كافية لتدليل على المصداقية، حينها لم نكن نشك في عالم الكبارالذين لم يكن مسموح لنا بالاقتراب من اسواره العالية،المحصنة بالاحترام والتبجيل والأسرار،دكت الأسوار وسرقت البوابة الحديدية المهيبة، كما أصبحت لافتة«منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب والتصوير» تثير السخرية بعد وجود خرائط جوجل ارث.
هذا العالم الذي عشته وجيلى ينهار،الصحف الورقية التي ظننتها إمبراطورية لاتغيب عنها الشمس، تتقلص كما حدث مع بريطانيا العظمى ،أعداد القراء والصحف ينحصر يوما بعد يوم في العالم المتقدم ومصرايضا ،المواقع الاكترونية ترث الامبراطورية الورقية، كما حدث مع الدولة الفتية «أمريكا»التى ورثت نفوذ ما قبلها من إمبراطوريات كبرى.
العالم الرقمى يفوز بالضربة القاضية ،ويفتح أمامك أبواب عالم افتراضى لامتناهى الاتساع وبلا حدود،أرقام تستعصى على العد والحصر، عالمنا القديم يشيخ ويجف كأوراق الخريف التي نمر عليها بأحذيتنا البالية.
عالم بلا أسرار، نعيش فيه كأسماك الزينة في حوض زجاجى سعة الكرة الأرضية، قراصنة الانترنت يتفوقون على قراصنة الكاريبى وعالمهم الأسطورى .
الدول اصبحت تستجدى الشركات العملاقة العاملة في عالم الانترنت والاتصالات لتفتح أبواب مغارة على بابا ،على بابا لم يعد وحده يملك كلمة المرور السرية، «الباسورد» لم يعد ملك صاحبه، ولم يعد الذهب والمرجان والياقوت هم الكنز الموعود، لكن المعلومات ..والمعلومات ومزيد من المعلومات .
في سابقة خطيرة لجأ مكتب التحقيقات الأمريكى (الأف بى آى )إلى القضاء ليلزم شركة «أبل» بوضع برامج جديدة تعطل التشفير الذي يحمي جهازها بما يسمح بالدخول إلى آيفون ومراقبة مستخدميه بعد حادث سان برناردينو الإرهابى .
مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين حذر من أن «نجاح القضية المرفوعة ضد أبل في الولايات المتحدة سيرسي سابقة تجعل من المستحيل على أبل أو أي شركة كبرى أخرى عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات أن تحمي خصوصية زبائنها في أي مكان من العالم».
ولكن هذا التحذير ليس له أي قيمة، المنظمة الأممية أصبحت تستجدى التعاون ولاتستطيع ان تفرض رأيها أو رؤيتها .
مكتب التحقيقات الفيدرالي طلب من أبل مساعدته في فك شفرة موبايل الامريكى المسلم الذي اعتنق الفكر المتطرف وقتل مع زوجته 14 شخصا في سان برناردينو في كاليفورنيا في ديسمبر الماضى.لكن أبل كررت رفضها الانصياع لمطالب الحكومة الأميركية وقالت إن إجراء مثل فك شفرة آيفون سيكون سابقة خطيرة ويعرض خصوصية المستخدمين للخطر وكذلك سمعتها كشركة استطاعت ان تحافظ لعملائها على خصوصية لا يحظوا بها مع أي موبايل آخر يسهل اختراقه.
صحيفة لوموند الفرنسية علقت على الموضوع الذي وصل للبرلمان الفرنسي،حيث اثيرت هذه القضية خلال مناقشة مشروع قانون مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب ومصادر تمويلهما في اطار طرح تعديلات لإجبار عمالقة الإنترنت للتعاون أكثر مع قانون الدولة.
الدول تواجه الشركات العملاقة العابرة، تطلب مايملكوه من ثروات معلوماتية عن ملايين البشر الذين يتعاملون كل ثانية عبر قنواتهم، بكامل إرادتهم يتنازلون عن خصوصيتهم ويوافقون على الشروط قبل أي تحديث لاجهزتهم الإليكترونية أو الاشتراك في تطبيق جديد.
النائب الفرنسي إيريك سيوتى حذر من إنشاء عمالقة الإنترنت «مناطق خارجة عن القانون»، تعبير مذهل، وسيوتي اصر على ضرورة بعث رسالة قوية لشركات الإنترنت وإعادة تأكيد سيادة الدول الديمقراطية ( !!!)، والنائب الفرنسى أقترح ثلاثة تعديلات تجري مناقشتها، تهدف لإرغام عمالقة الإنترنت، مثل آبل، لتوفير المعلومات الضرورية للسلطات في التحقيقات المرتبطة بالأعمال الإرهابيّة، كماصرح وزير العدل الفرنسى جان جاك أوروفاس: «أن الحكومة قادرة على الحصول على أي معلومات ترغب بها»...ولكننى اعتقد العكس، لقد توغلت هذه الشركات وأصبحت لها منظومتها الخاصة، والحرب الدائرة تستعدى تذكر سلسلة أفلام الماتريكس.
هل هذا هوالعالم الذي أعرفه،حيث كانت الدولة تملك زمام كل شىء، واجهزتها تتلاعب بالمواطنين كما تشاء ورئيسها آلهة يحى ويميت كفرعون موسى .
لاتفكر فينا فنحن جزء منسى من العالم، وما يحدث مع توفيق عكاشة وأمثاله ،أدوات ضغط قديمة في مجتمع مازال أجواء فيلم«اندر جراوند».
عالمنا لاتملك فيه إلا جسدك ظاهريا ،أما عقلك فهو منفعة عامة تشترك فيها مع الآخرين ...
والحديث متصل في مقال الغد بإذن الله.
عالم جديد..أكذوبة القادة العظام 2
مع نهاية عام 1958 عرض للمخرج الفرنسى روجيه فاديم فيلم «وخلق الله المرأة» بطولة بريجيت باردو وكانت زوجته حينذاك، ظهرت فيه باردو في لقطة في الفيلم عارية الظهر، وكانت المرة الأولى والأخيرة، الفيلم كان يعد من أفلام الإغراء الساخنة وقتذاك، ومشهد باردو وهى ترقص على إيقاعات المامبو، حافية القدمين وبشعر متحرّر وجسد يتصبّب عرقاً، كان مشهدا يعبر عن الثورة النسائية وقمة تحررها وإعلانها بأنها تمتلك جسدها. الناقد السينمائى الأمريكى في نيويورك تايمز، بوسلى كراثير وصف المشهد بأنه قنبلة أدت إلى تدمير هوليوود وخراب أمريكا، فقد أثار سجالا واسعا، وحوكم بسببه مديرو صالات العرض في فيلادلفيا وكليفلاند وبروفيدنس وميمفيس، وانشغل مثقّفو العالم بمناقشة ظاهرة بريجيت باردو، التي اتهمها البعض بخدش حياء العالم، وكسر المناخ المتطهر التقليدى.
حين تشاهد أفلام بريجيت الآن، تبتسم من براءة الإغراء، مقارنة بالأفلام الآن، كبار مخرجى العالم يقدمون النجوم الكبار في أفلامهم في مشاهد عرى تام ومشاهد جنسية كاملة، «الستر» لم يعد له مكانته المرموقة في العالم الجديد، نبحث كل يوم في أكوام النفايات عن فضيحة، لم تعد رائحتها تزكم الأنوف بعد اختراع معطر الجو وانتشار فكرة العبوة ذات الرذاذ «البخاخة»، التي أصبحت أحد أدوات الحياة العصرية. أتذكر أبى وأنا صغيرة وهو يقف أمام المرآة بعد حلاقة ذقنه، وبحذر يميل زجاجة العطر الثمين ليضع قطرات منها في راحة يديه ثم يفركها ليمسح بها وجهه الحليق، الآن ضغطة واحدة من زجاجة العطر وفرت كل هذه الخطوات.... العالم كله يبحث عن اختراعات توفر الوقت وتقلل المجهود.... وفى النهاية نمضى هذا الوقت عبيد اختراعات أخرى.
يوم الجمعة الماضى تفجرت في البرازيل فضيحة فساد ضخمة، بطلها الرئيس السابق لولا دا سيلفا الذي داهمت الشرطة منزله وقبضت عليه، وقامت باستجوابه في قسم الشرطة، وذلك في إطار التحقيق في فضيحة الفساد الكبرى والخاصة بشركة «بتروبراس» النفطية، تقول الشرطة إن لديها أدلة تثبت أن لولا دا سيلفا استفاد بشكل غير قانوني من عمولات دفعتها له شركة البترول الحكومية في صورة هبات نقدية ومنزل فاخر. والتحقيق يضم زوجته وابنيه، وهذه الفضيحة تتطول عدد كبير من المسؤولين البرازيلين السابقين والحاليين.
لولا دى سيلفا هو أكثر الرؤساء شعبية في بلده في العصر الحديث، فلقد نجح في محاربة الفقر وإنعاش الاقتصاد بشكل غير مسبوق، وكان يعد نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2018.
مثل هذه الفضائح كانت يمكن أن تقضى على المسؤول الكبير إلى الأبد، لكن الآن أنها دليل على أن الكبار بشر مثلنا يصيبون ويخطئون، فهم شهوانيون لا يتحكمون في غرائزهم مثل كلينتون (فضيحة مونيكا لوينسكى)، أو لصوص مثل معظم حكام الدول النامية (مبارك، دنيس ساسو نجويسو الكونغو... وغيرهم كثير) متلصصون على منافسيهم مثل نيكسون (فضيحة واترجيت) كاذبون وانتهازيون مثل تونى بلير (ادعاء وجود أسلحة دمار في العراق) وساركوزى في تمويل القذافى لحملته الانتخابية، ضعفاء أمام نسائهم مثل أولاند (كتاب صديقته فاليري تريرفايلير «شكراً لهذه اللحظة»).
أي فضيحة من هذه كانت كفيلة بتدمير صاحبها، وعدم قدرته على مواجهة العالم بعدها، ولكننا نجد العكس فلم ينتحر أي منهم ولم ينبذهم المجتمع كما كان متوقعا، جميعا تلقوا صكوك الغفران ولو بعد حين من الجماهير الغفيرة التي أصبحت تتسامح مع زعماء تدرك أنهم ليسوا سوى أشخاص عاديين نجحوا في الوصول لكرسى الحكم، بالديمقراطية أو الحيلة أو بقوة السلاح، لا يتمتعون بأى عظمة وليس لهم أي قداسة.
وفى المقابل تسامح الزعماء في سخرية الشعوب منهم، ولم يعد مقبولا من أي زعيم أن يحاكم أحد بتهمة نقده أو السخرية منه، وإن أراد ذلك فعليه أن يدبر لهذا الشخص تهمة تتعارض مع قوانين البلاد، وفى البلاد النامية هناك ترزية قوانين في خدمة الحاكم، ليبسط سطوته بالقانون، ويحكم قبضته على رقاب العباد بالتشريعات.
شعوب كثيرة يائسة مازالت تنتظر قائد عظيم يخلصها من بؤسها ويخرجها من عثراتها، هذا التفكير السلفى هو بقايا الأساطير، وفكرة المخلص الدينية هذه الفكرة خلقت ديكتاتوريات عظيمات بدلا من مخلصين عظماء... وهى في طريقها إلى زوال مع بقايا العالم القديم.
فهذا المهدى المنتظر لم يعد سوى موظف يجلس فوق قمة الهرم الوظيفى يخطأ ويصيب، ويأتى الدور على غيره ليجرب جديد.
العالم الجديد.. برلمان ستار أكاديمي (3)
هل تعتقد أن هناك أحد يبحث عن الحقيقة؟ كم نسبتهم؟ ومن هو قائدهم؟ اعتقد أن ديوجين كان سيطفىء مصباحه لو عاش عصرنا، بعد أن يتأكد أنه لن يجد ما يبحث عنه ولو طال الزمن.الحقيقة أنه لم تعد هناك حقيقة، في عالم الكليبات والصور المجزأة ،تنهكنا التفاصيل ،وتسلب وعينا بالإيحاء .
منذ أربعينات القرن الماضى عرفت أمريكا بدعة جديدة أطلقت عليها«تليفزيون الواقع»، حيث جعلوا من أشخاص عاديين نجوما، يتابعهم الملايين وترصد الكاميرات تفاصيل حياتهم لحظة بلحظة، هؤلاء حدثت لهم طفرة حياتية فلم يعودوا مثلنا، بل نوعية نادرة من الزومبى أو أتباع دراكيولا.
الواقع أصبح عند أغلبية الناس هو مايشاهدونه أمامهم، الدموع والقبلات والشجار وصيحات الاستنكار وفرحة الفوز، يجب أن يكونوا مثل ما يشاهدوه وإلا اصبحت حياتهم الحقيقة مزيفة، فلاحب بدون الاحتفال بالورود والدبدوب، الحقيقة يجب ان تختم بختم الواقع، والواقع هو ما يقدمه لك الآخرون ويقنعوك به ،من لايعيش هذا الواقع يصبح مثل الطفل دينيسفى فيلم «الطفل المريخى» ،فيلم بسيط لكننى أحبه كثيرا.
تليفزيون الواقع يثير حماس عامة الناس ..يتابعوه بشبق، نجح المنتجون في ان يقدموا وجبة شهية، تداعب خيال المتفرجين واحلامهم، الرسالة التي تصل المشاهد :يمكنك أن تكون مثل هؤلاء؟ فقط احلم وراسلنا على هذه الأرقام، أنت الملك، انت الحكم، بتصويتك تستطيع أن تجعل هذا المتسابق يفوز والآخر يخسر، أرسل الآن، نحن في انتظارك...أوامر ترتدى ثوب الطلب والترجى والانتظار على نار ..والناس دائما ترتبك حين تنتظر منها إجابة، وتجيبك حتى لولم يكن لديها رد أو رأى محدد.
نجحت هذه الأكاذيب الضحلة ذات الانتاج الضخم، ان تجعل من العامة والبسطاء زبائن مدمنين، صدقوا أنهم قادرون وفاعلون ويستطيعون أن يغيروا الكون برسالة بجنيهات قليلة أو مكالمة تليفونية، عصر الجماهير الغفيرة يتحرك تجاه قمة «الحلم»، الحلم ان تكون نجما أو وطنيا.
الخبراء يقولون إن التأثير المتزايد لمثل هذه البرامج يرجع إلى اعتقاد الناس أنها حقيقية ،و الخطورة تكمن في سعي المشاهدين لتقليد السلوكيات الموجودة في هذه البرامج ظنًا منهم بأنها حقيقيةٌ ومجربة.
الكاتب «دانيال بيتري» والذى يعمل في إمبراطورية هوليوود يقول: إننا نشاهد برامج تلفزيون الواقع، والتي توصف بأنها مرتجلة، ونعرف جيدًا كيف تُكتب وتُقدم، فهى متحكم فيها وموجهة كأحد أسوأ أشكال التلاعب الاجتماعي من قبل الكتاب والمعدين والمخرجين.
أهم سلبيات «تلفزيون الواقع» وابرزها هي: انعدام الخصوصية، وإيجاد الرغبة في التلصص على الآخرين، واقتحام خصوصياتهم، هذه البرامج تعرض المشاركين للإذلال من أجل تسلية المشاهدين والحفاظ على مستوى إثارة ومشاهدة مرتفعين، فأغلب الناس يبحثون عن الفضائح، وهذا من أسباب نجاح «تلفزيون الواقع»، فهو يقدم فضائح حية.
الأزمة الحقيقية، ان فلسفة برامج تليفزيون الواقع انتشرت وتغولت وتوسعت وتمددت، وهى ترتكز على اننا نقدم واقع لكن من صنعنا، نحن المنتجون أو الأجهزة أو أصحاب النفوذ والمال والمصالح...الخ .
لقد نقلنا مسلسلات تليفزيون الواقع إلى البرلمان والمؤتمرات والخطب وبرامج التوك شو، بالله عليك هل مايقدمه إبراهيم عيسى ووائل الإبراشى وريهام سعيد وعمرو أديب وأحمد موسى والقرموطى والحسينى وغيرهم برامج توك شو أو مسلسل من مسلسلات تليفزيون الواقع ؟، توفيق عكاشة مثال جلى على ذلك. هل يمكن تفسير ظاهرة توفيق عكاشة خارج هذا السياق؟، إعلامى مغمور لايجيد سوى التمثيل ،يستطيع ان يتلاعب بمشاعر البسطاء، بأسلوب الفلاح الفصيح، وبضاعته معلومات تسرب إليه من أجهزة تقدم له سيناريو كل حلقة يقدمها على قناة يديرها ولايملكها، فهى ايضا جزء من الديكور المكمل للسيناريو، تماما مثل برامج المسابقات التي يعيش المتسابقون فيها حياة النجوم لوقت قصير وفى النهاية يكون مصير معظمهم العودة من حيث اتوا غير مأسوف عليهم.
أنها ليست حياة ..ولكنها مشاريع ...مشاريع ياعزيزى آرثر فلاتنخدع .
منقول عن المصري اليوم
0 التعليقات: