![]() |
بقلم: د.غالي الزبير |
تمثل العاصمة الرواندية "كيغالي" واحدة من أكثر العواصم الإفريقية نظافة وتناسقا في ظل برنامج شامل وطموح جعل من رواندا الخارجة من جحيم التطهير العرقي والحرب الأهلية نموذجا جديرا بالتأمل في قدرة الحكم الراشد على السير قدما بالدول مهما كثرت العوائق وعظمت التحديات.
منذ شهر مضى شهدت هذه العاصمة الاستوائية المنشغلة بذاتها زوبعة دفعت بها إلى تصدر واجهات الأخبار فسمع بها الكثيرون ربما للمرة الأولى، فقد انطلقت هجرة واسعة شملت الإعلاميين والامنيين والديبلوماسسين ورجال الأعمال المغاربة المنتشرين على اتساع القارة الافريقية صوب "كيغالي" تزامنا مع انعقاد الدورة السابعة والعشرين لقمة رؤساء الدول الإفريقية استعدادا للفتح الأكبر، كيف لا و"جلالة" الملك سيلقي كلمة رسمية أمام القمة الإفريقية تنهي أكثر من ثلاثة عقود من الغياب المغربي عن حاضنته الإفريقية وستتزامن هذه العودة المظفرة مع اخراج الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الافريقي في تصحيح تاريخي سيغير كل معادلات الصراع التي اوهنت جهود كل الدبلوماسيين.
هكذا رسمت ديبلوماسية "الفعفعة" وسياسة المزاج المتقلب صورة الوضع عشية قمة "كيغالي" على خلفية جولات وزيارات عشوائية للديبلوماسين المغاربة لم تسلم منها دولة إفريقية بما في ذلك الجزائر التي تحولت بين عشية وضحاها في المنظور المغربي من أصل الداء إلى مصدر الدواء.
ولكن كما يحدث تماما في افلام الغرب الأمريكي فما أن افتتحت القمة حتى توارت كل الحشود وتفرق المدعوون والمجلوبون المغاربة من كل أنحاء القارة ولم يبق من الحشود المغربية سوى وزير الخارجية ورئيس البرلمان القابعان في المقهى الملحق بقاعة المؤتمرات يجزيان الوقت بالتدخين واللعب بالهاتف المحمول كأنهما تلميذان مطرودان ينتظران نهاية الدوام خلف اسوار المدرسة.
لقد رفض منظمو القمة الإفريقية منح ملك المغرب فرصة إلقاء كلمة إمام الرؤساء الأفارقة لأن للقمة برنامجا معدا بدقة منذ مدة ولا مكان فيه للعشوائية والارتجال، وتضاعفت حسرة المنتظرين المغاربة حين وقف الرؤساء الأفارقة عند افتتاح قمتهم دقيقة صمت ترحما على الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز باعتباره رمزا للكفاح ليس من أجل تحرير بلده فحسب، بل ومن أجل تحرير القارة السمراء.
وتوالت الصفعات الافريقية لنظام المخزن من خلال رفض قراءة رسالة ملك المغرب إلى القمة الافريقية التي قبعت بسكون بين أوراق الرئيس التشادي حتى انقضاء القمة ثم تلتها صفعات اشد عبر البيان الختامي للقمة الذي تضمن ثمان فقرات كاملة تناصر القضية الصحراوية بكل قوة.
نكسات الديبلوماسية الارتجالية المغربية عوضت بحملة اعلامية غير مسبوقة حول ماسمي "بعودة المغرب الى الاتحاد الافريقي" عبر وسائل إعلام المخزن ومحلليه الذي طلبوا بالأمس لهروب المغرب من التجمع الافريقي ويطبلون اليوم للعودة إليه، ودعمت تلك الحملة من خلال "بيان" نسب لبعض الدول الإفريقية التي حشدت فرنسا بعضها وتبرأ آخرون من حشرهم في صراع مبيت يهدد وحدة القارة الإفريقية، فبلدان من قبيل غانا وليبيا وزامبيا أبلغت الطرف الصحراوي مواقفها التي لاتحيد عن دعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتستغرب ورود أسماءها في اللائحة المغربية التي قدمت كترحيب بانضمام المغرب للاتحاد الافريقي ولو على حساب الجمهورية الصحراوية وعلى حساب الميثاق المؤسس للاتحاد الافريقي.
ولكن الايام التالية كشفت عن استعمال نظام المخزن كعادته الرشوة في شراء بعض المواقف وتعالت الأصوات في السينغال وزامبيا تكشف حجم العمولات المدفوعة مقابل السعي لتسهيل عودة المغرب الى الحضن الافريقي.
ولم يطل الأنتظار حتى قدم مجلس السلم والأمن الافريقي توصياته القوية والمباشرة حول ضرورة التقيد بشروط وقواعد انضمام الدول إلى الاتحاد وفي مقدمتها احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وهو ما يعني أن على المغرب ان يختار بين التخلي عن سياساته التوسعية او الإنتظار لسنوات أخرى خارج التجمع القاري المؤسس على أن استقلال أفريقيا يظل ناقصا مادام أحد بلدانه يعاني الاستعمار كما جاء على لسان الوفد الناميبي الذي رفض ضمن دول افريقية أخرى لعل من أبرزها زمبابوي انضمام بلد يمارس الاحتلال ويعذب وينهب ثروات شعبا أفريقيا شقيقا..
إذن وبعد شهر من زوبعة "كيغالي" لم يبق من تلك الجعجعة سوى صدى يكشف عن مدى تخبط وارتجالية ديبلوماسية المزاج وسياسة العواطف المتقلبة التي تبرهن مرة اخرى عن المراهقة السياسية التي لازالت تحكم علاقات المغرب بالعالم من حوله.
0 التعليقات: