![]() |
بقلم : حكيمة شكروبة |
العلم يبعث
الحياة في كل شيء. ومن لا يقوم بواجباته لا يحق له أن يصير معلما، والإيحاءات
تختمر في الذهن، ولا أجد شيئا أعظم وأجمل من أن يكون المعلم حرا فاضلا مثاليا
متعاليا على الملذات. فهناك تقارب وتفاوت بين الناس لكن النزاهة تخلص المعلم من كل
النكسات، ويستطيع أن يفكر بكل حرية ،وأن يصرف عمره بل أخصب أوقات حياته في طلب
العلم ،وتبني المتاعب والنحت من راحته في
نشر المعرفة بين عامة الناس وخاصتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وقد يتأرجح بين
أفكاره وأحلامه لكن عليه أن يدرك في قرارة نفسه بأنه لن يظل سائدا في رسالته إلا
إذا حول قوته وطاعته إلى واجب ،وأن يمنح للطلبة تربية صالحة لأن المجتمع بطبعه
قابل للاصطلاح. فالمعاني الواضحة والأخلاق السامية تحافظ على طبيعة البشر ،وهذا
الاستعداد الفطري تجده سواء عند الذكر أو
الأنثى، فيسعى المعلم إلى تنمية البذور الطيبة ويتحاشى هدمها بواسطة أساليب وسلوكيات سلبية وأن يساعد على النمو والاكتمال الروحي
والفكري .فيستثمر عقولهم ويوحد أفكارهم ،ويسعى جاهدا وراء المفيد، ومن ميزات
المعلم امتلاك القدرة على التميز بين الأفعال المشرفة والأفعال الشائنة، ومهما
تأخر الطلبة في استيعاب المعرفة فما على المعلم سوى البحث عن الأساليب الناجعة والطرق العلمية التي تتيح لهم
الاستفادة من عقولهم ،ويتبنى تهذيب وصقل مواهبهم لا أن يجعلهم على هامش المعرفة
ليتخلص منهم مثلما تتخلص الأشجار من أوراقها الصفراء ا في شهر أيلول ...فعليه أن
يمتلك البراعة ،الدقة ،الذكاء والدهاء في وضع هدف محدد ووجوب الوصول له ،والتفكير
بمسؤولية وضمير واعي لبلوغ إياه ، وتنمية قدراته بالأبحاث الأساسية لتوسيع مفاهيمه
ومداركه ،وتفحص كل ما يعرض على المتعلم دون أن يشعر متلقي المعرفة بارتياب، فنرى
نبل وصفاء روح المعلمين حين نحتك بوسطهم، ونلمس تجاوبهم الإيجابي مع الطلبة فندرك
بذلك أنهم مخلصين في تأدية رسالتهم ، وليس بزعمهم بالإخلاص بحك الأدمغة والانفلات
من بين الأنامل والتفلسف الفارغ ،فالمنهاج الذي يأخذ بالحقائق الواضحة من مصدرها
هو الذي يجب أن يتبعه ناشري العلم والمعرفة لكي يجعلوا من هذه الحقائق نقطة
انطلاقهم، وهمزة وصل تربطهم بغيرهم .
حين ينطلقوا
من تلك الحقائق يتاح لهم أن يستثمروا قدراتهم وقبل تبوؤهم منصب المعلم عليهم أن يحكموا ضميرهم و يخلصوا
في عملهم ، ومطالبين بالاجتهاد لإيصال المنفعة لمعظم الطلبة ، فمن نذر نفسه لله
ونشر العلم بين الناس ، فعليه أن يكون حريص على تبليغ هذه الرسالة السامية ،
فيتجنب التقصير قدر المستطاع والتملص من واجبه كالإجحاف في سرد المعلومات، وأن لا
يتعالى عليهم وينعتهم بجهلهم .فالأيام تمضي كالأشباح وتضمحل كالضباب، ولن يبقى
منها سوى الذكرى الطيبة وتضل اجتهادات العبد تدب بالحياة رغم رحيل صاحبها
،والمتفوق هو من يقرب بين القلوب والعقول ، وهكذا ترتحل السكينة وهي حاملة شعاع
الأمن والطمأنينة إلى القلوب النقية القابعة في أعماقها بذور الخير . لا أن تملأ
الصدور بأوجاع الحيرة والضياع ومرارة التفكير بالقصور ، فينسج الفشل بأصابع الحيرة والالتباس والقنوط من نحت
العلم والمعرفة ،والعودة إلى الديار بقلوب كئيبة كسيرة وعقول مشتتة الأفكار
ويلازمهم انقباضا في روحهم لجهلهم معاني الانقباض وجهلهم موحيات حزنهم ،فالقلوب
الحزينة كالطيور الجريحة وليست كل من كسرت جناحيها سيكتب لها القدر أن تحلق في
السماء من جديد ،ومن خرج ساعيا لطلب العلم ظمأنا وأطفئت شعلته وصار رمادا، فلا
ترقب لحظة ميلاده لأن الميلاد لا يأتي من قلب الرماد إلا ناذرا.
وشتان بين من
وجد أرض طيبة بها زرع غيره، فجمع محصولها وبين من وجد أرض خصبة ولم يقوم عليها فلم
تؤتى أكلها ، فالتفكير الصحيح هو من يرسم لنا الخطوط الكبرى ويزرع فينا التشبع
بالوازع الديني والحس الوطني ،والحق لن يبطل إلا إذا زالت القوة التي كانت مصدره
،والقبض على زمام الأمور يكون بقيادة العقول الظمآنة إلى ميناء الخلاص للارتواء من
نبع المعرفة ونهل العلوم ،وتحقيق الاكتفاء المعرفي لأن هذا الهدف هو بلا ريب حلم
المجتمع فمن واجب المعلم أن يفي بوعده ويتقى الله ربه ولا يبخل غيره ومهما أخفى
الإنسان مكره وإجحافه فالله يعلمه ، فاجتياز الانتكاسات بتجنب الارتياب وذلك بعدم
الخوض في المسائل الغير مهمة والجدال العقيم وبلوغ عالم الفضيلة لا يؤتى من العدم
،ولن يبلغه من يجهل اختيار الاتجاه الصحيح من بين الاتجاهات التي يعرضها العقل
وبهذا يتجنب المرء وخز الضمير والشعور بالمرارة ،فيقوي الرباط الاجتماعي من غير
عنف وينسج خيوط المعرفة بمرونة، فتتسع المساحة المعرفية وتعم ويقتفي أثار المبدعين
والمفكرين الصالحين، فيبني بذلك المعلم الناجح والمثابر القاعدة الأساسية التي
توجه أفكار وأعمال الطلبة، وبهذا تحدث محاكاة العقل مع الضمير الحي المعصوم وهذا
التوازن فطري في البشر، فالفكر الراشد والناضج يسيره عقل له مبادئ وسداد البصيرة
لدى يجب احترام وتتبع الإرشادات التي تسدى لنا ،و تتوافق و الضمير الفطري للإنسان
.
يساهم
المعلم بقوة المعرفة في تكوين ذهننا
بالفكر العميق ،ومختلف الطرائق البديلة لتحقيق ذواتنا وبلوغ هدفنا ،فنكتسب المرونة
والصبر ونتيح لعقولنا وأرواحنا ومشاعرنا
نمو تلقائي يتماشى مع الفطرة التي فطرنا عليها الخالق ،ونتعلم شيئا فشيئا ونصلح
أنفسنا وبهذا نسترجع ثقتنا بالنفس ونصل إلى ما تتطلبه التربية الصحيحة، فلا يجب أن
نستعجل في فعل الأشياء الخاطئة ونستأخر في تهذيب أنفسنا وصقل شخصيتنا، والعين
الساهرة هي من تحقق النجاحات وتتدارك الأخطاء بفطنة العقل ووعيه ، ويلج بنا نور
العلم والمعرفة لعالم الفضيلة وينتشلنا من الضياع، فالدقة
وأحيانا الدهاء هما كفيلان
بتمهيد لنا الطريق نحو أفق مشرق ،وعلينا تحاشي هدم فطرتنا أو
الضغط والعنف الذي لا أجد لهما مبرر
أحياننا بل نساعد أنفسنا
على النمو والاكتمال تدريجيا ، فالمهمة دقيقة وشاقة لكن التفكير يخول لنا
تصور الخطوط الكبرى للحقيقة بالإضافة إلى اليقين والنظر إلى الجانب المشرق من
الحياة سيكون كفيل بتنمية روح الإبداع
وخلق حافز يساعدنا على رسكلة النفس البشرية وإمدادها بالطاقة اللازمة لمواصلة
مسيرة البحث العلمي بتقصي المنهاج الصحيح ، وانتهاج كل سبل النجاح المتاحة لصناعة
مستقبل زاهر وضمان حياة مستقرة.
0 التعليقات: