(2)
الي
جانب هؤلاء الرجال، كان هناك رجال أخر أشداء يفرغون شاحنات من جذوع الأشجار، قد جمعوها
وأتوا بها من مسافات بعيدة، يوزعونها بعدالة إلهيّة علي الخيّم، إذ لم تكن مواقد الغاز قد توفرت
عندئذ، وكنّا نحن الصّغار نتابع باهتمام وشغف كبير أعمال هؤلاء الرجال حتى يطيح بنا
النوم.
وبالرغم من محدودية مساحته، كان المخيم مكانا
خصبا، وجذّابا للسرديات و الحكايات، إذ كان لا يزال يحتفظ بأسلوب عيشه البدويّ، الذي
يعتمد علي البساطة وشظف الحياة، حيث تأبى خيام الشعر والوبر أن تتماها، أو تتمازج مع
خيم الطوارئ الملونة المقدمة كمعونة من مؤسسة الهلال الأحمر الجزائري.
و بين الفينة و الأخرى، كان يظهر بعض الزّوار الأجانب،
كناّ نطلق عليهم لقب "الوفود", كانوا مندهشين أمام الطريقة الغريبة،
التي نبتت بها مدينة من القماش بهذا التنظيم المحكم، وبهذه الدقة، علي ارض جرداء، لا
ماء فيها ولا حطب.
كان الممرض، وهو ب"مؤهلات"
العالم بمقاييس ذلك الزمن، يمتلك ثروة من الأقراص المتشابهة اللون والمتساوية الحجم،
يوزعها بسخاء كبير، وهو الشخص الوحيد، الذي يفهم لغة (الوفود)، ويمكنه أن يجيب علي
كلّ تساؤلاتهم.
ظل المخيم
يعيش حالة استنفار دائم، ولم تكن هناك مظاهر حياة متنوعة، مثل تربية الحيوانات، او
محاولات لتجارب زراعية أو غيره. و شيئا فشيئا بفضل جهود النساء و همتهن، سرعان ما انقادت
و اذعنت الحياة نحو "السهولة واليسر"، حيث دخلن في اشتباك مع الوقت، مدفوع
بحماس خرافي. يتبع...
0 التعليقات: