مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الثلاثاء، 13 يناير 2015

" احييك تحية الثورة"

المناطق المحتلة: الجماهير الصحراوية  تحيي الذكرى الرابعة لتفكيك مخيم أكديم إزيك
بقلم : مولاي ابا بوزيد

      حين ما كان عبد الرحمن ابن الشهيد يتناول مع أمه وجبة الغداء , أخبرته أنها كانت تقرأ قبل قليل الحروف الأخيرة التي خطها أبوه إليها قبل إستشهاده ،

 انتفض عبد الرحمان  واقفا قائلا :
- ماذا  من ابي الشهيد؟هل يمكنني رؤيتها ؟.

ردت عليه ،بابتسامة متعجبة:
 - و لم لا ؟ سأريك إياها في المساء ان شاء الله.
سأل:
- لم لم تذكري لي هذه الرسالة من قبل  ؟.
        كان وحيد أمه المدلل , و كان مولعا بكتابة رسائل الغرام المحملة بعبارات الحب الصريحة و الجريئة لبنات جيله ، وقد تبادر إلى ذهنه أن أمه أخفت الرسالة كل هذه السنين لأن الرسالة تحتوي من عبارات الحب و الشوق , ما جعل أمه تستحي من إطلاعه على آخر رسائل أبيه الشهيد ، لكن أمه قطعت تفكيره قائلة :
-كنت قد أودعتها لجدتك "دادة" و نسيت الأمر و لكنني وجدتها اليوم بالصدفة ، لا سبب آخر يجعلني اخفي عنك رسالة بخط أبيك الشهيد يا ولدي.
         في وقت القيلولة ظل يخمن ، ماذا يا ترى قد يكون كتب أبوه الشهيد لأمه ؟ و كانت عشرات عبارات العشق تمر في ذهنه، تخيل عبارات كتلك التي يكتب هو عادة , و لكنه قال في قراره نفسه ستكون عبارات أبي أجمل , لأنه كان بعيد عن محبوبته ، و لأنه كان يتوقع أن لا يراها ، نعم فقد أخبرته صديقتها أن قصة حبهما كانت أكبر من أي قصة حب شهدها حبيبين في جيلهما ، نعم لابد أن الشهيد كان يتقن التعبير و يتفنن في إبداع عبارات الحب التى جعلت أمه تمتنع عن الزواج من بعده .
     حل المساء و جلس عبد الرحمن الى "طبلة الشاي" , بينما خرجت أمه لإحضار الرسالة القادمة من مقبرة الشهداء ، وحين عادت كان ينظر اليها بلهفة حين مدت له قصاصة اصغر من حجم كفه ، نظر إلى القصاصة المثلثة على شكل قطعة من جبن "لافاش كيري" ، لم تكن الرسالة كما تصورها ، لم تكن الرسالة ناصعة البياض ، لم تكن في غلاف بريدي ، تبسم عبد الرحمن ثم قال :

-هل هذه هي الرسالة ؟ فأومأت له بالإيجاب ، 
فأردف : 
-لماذا هي هكذا ؟
ردت عليه أمه و هي تبتسم :

- إنها طية المثلث يا عبد الرحمن ، تجعل محتوى الرسالة مخفي عمن لا يتعمد الإطلاع على محتواها ، لكن من يتعمد فلن يمنعه حتى الغلاف البريدي.
 ضحك عبد الرحمن ضحكة كبيرة قائلا : 
-إذا , هذا المثلث غلافا مستعارا .
كان يقلب المثلث بين يديه ، كان للمثلث اتجاهين احدهما كتب عليه عبارة : من علامة استفهام (؟) حيث كتابة اسم المرسل لم تكن ضرورية .
         كان مكتوب في الجهة الثانية: إلى الاخت : عيشة بنت فلان بن فلان /ولاية ...كذا.../ دائرة ...كذا... / حي رقم كذا.
        بدأ في محاولة فك طيات المثلث العجيب و هو يبتسم و يتساءل عن كيفية فتح مثلث برمودا هذا ، أخذت عيشة منه الرسالة و فتحتها و أعادتها إليه و بدأ هو يقرأ محتواها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة و السلام على اشرف الأنبياء والمرسلين .
تحية الصمود و الثورة المسلحة القادرة على دحر الغزاة الدخلاء في وطننا الحبيب حتى تحرير آخر شبر من أرضنا الطاهرة .
أما بعد... 
          هذه الرسالة من البشير  بن فلان إلى الأخت العزيزة عيشة بنت فلان ، اسلم عليك غاية السلام و مثله من التحية و الإكرام ، كما اسلم على عبد الرحمن الصغير غاية السلام ، كما اسلم على كل الأهل و الجيران و المناضلين و المناضلات .
و كل الوطن أو الشهادة "
          لم يعد عبد الرحمن يضحك و لا يبتسم ، ابتلع لسانه و هو يقرأ الرسالة التي احتفظت بها أمه عشرين عاما ، لا شي فيها مما تصوره ، أكملها ثم وضعها جنبا ، ثم صب الكأس الأول من الشاي ، ثم عاد إلى الرسالة ، نظر إلى مقدمتها ثم إلى وصف أبيه لامه بالأخت العزيزة ثم إلى توقيع أبيه بشعار كل الوطن او الشهادة ، ثم غير جلسته وهو يردد في نفسه ، أيعقل هذا ؟ و لكنه كان يحبها و هذا غير وارد في الرسالة ؟ ، كان يحبها و كانا متعلمين ، فكيف لم يكتب لها حتى عبارة زوجتي الغالية ؟ لم يجد تفسيرا فقرر زيارة صديقة أمه التي هي صديقته أيضا لتفسر له الأمر .
          حين زار صديقة أمه و مد لها الرسالة فرحت أي ما فرح و بينما هي ترحم على أبيه و تذكره بخير ، قاطعها قائلا أتيتك مستفسرا عن سر كتابة أبي رسالة إلى أمي بهذا الشكل ؟ ففسرت له الأمر قائلة : الحب عندنا كان ضمنيا و لا يحتاج لكل هذه العبارات ليتأكد ، كنا مختلفين عنكم ، لقد كان حبنا فعلا و أصبح حبكم قولا ، الم تسمع نزار قباني حين قال "إن الحروف تموت حين تقال"...!
         رد عليها نعم نعم ، ولكنه حياها تحية الثورة و كأنه مسؤول سياسي في ندوة لتعميم وثيقة ؟.
          اردفت :

-نعم كانت تلك التحية الشائعة في كل الرسائل حينها و كانت الأجمل...!
   و من لا يعرف تلك التحية كان لا يعرف كتابة الرسائل ، اسلوب كتابة الشهيد اباشرو نفسها هو الاسلوب الذي كتب به كل المقاتلين لعائلاتهم ، و نفس التحية الثورية هي تحيتنا لأهالينا حين راسلنهم من مواقع الدراسة في الخارج ، لم يعمم أحد علينا تلك التحية لكنها انتشرت بالتداول في وقت وجيز ، فلم تكن هناك رسائل مختلفة عن هذه الرسالة ، ربما لأن التعبير عن حب الوطن حينها كان أقصى درجات حب الأهل و الأحباب أن تشعرهم باستعدادك لتقديم نفسك من أجل أن يعيشوا في وطن حر و سعيد و طاهر .
فهم عبد الرحمن رسالة أبيه أخيرا ,  و قرر أن يرسل لحبيبته التي تدرس الجامعة في الخارج رسالة مماثلة ، و لاحقا حين فعل و كتب لها على البريد الإلكتروني رسالة مماثلة فقد أجابته في رسالة قائلة : " حبيبي عبد الرحمن لقد جاني بريدك بالغلط ، أظنها رسالة موجهة لبرنامج إهداءات في الإذاعة الوطنية" .

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9