مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الجمعة، 23 يناير 2015

كيوبيد كرسّـام منظر طبيعي

يوهان فولفغانغ غـوته
شاعر الماني


مبكِّـراً جلستُ على رأس صخرة حادّة،
محـدِّقا بعينـيَّ المتصـلِّبـتين في الضَّباب،
الذي تمـدد كخـيمة رمـاديـّة،
مُـغطِّـياً كلَّ شيء سـفلاً وعلـواً.
***
حـطَّ إلى جـانبي صبـيّ، وقال :
ما لكَ تحـدِّق جامدَ النظرات،
هادئـاً، يا صديقي العزيز، في
تلك الخيمة الخـاويـة ؟
هل فقدتَ مُـتـعةَ الرسم وابتداع
الصّـور إلى الأبد ؟
***
نظرتُ إلى الصَّـبيِّ وفكَّـرتُ في نفسي،
أيـريد هـذا الصَّـبيّ ُ الصًّـغير
أن يصيرَ المعلِّمَ!
إذا أردتَ أنْ تبقى متجـهِّماً دوماً وخاملاً،
فلا شيءَ حسـناً ينتج عن ذلك؛ قال الصـّبيّ،
أنظر، سأرسم لك صورة حالاً،
وأعلِّـمكَ كيف ترسم صورة صغيرة جميلة.
***
وصـوَّبَ سـبّـابـته،
التي كانت حمراءَ كوردة،
نحو القماش العريض الممـتدّ،
وبدأ يرسم بإصبـعـه.
***
في الأعلى رسم شمساً جميلة،
شـعّـتْ في عينيَّ بقوة،
وصنع حواشـيَ الغيوم ذهبية،
جاعلاً الأشـعّـةَ تخترق الغيـوم،
ثـمَّ رسـمَ الرؤوسَ اللطيفة لأشجار جديدة غضّـة،
سحب التَّـلال، واحداً فواحداً، خـلفها؛
وفي أسفلها لم يترك الماء بعيداً عنها،
رسم النهرَ طبيعياً جداً،
فَـيُـرى متلألئـاً بأشعَّـة الشمس،
ويُـرى تيّـاره مُـرتـطـماً بضفـافه العـالية.
***
آه، عند النهر تنـتظم الزهـور،
وهناك الألوان على المَـرج،
ذهَب وميـنا وأرجوان وأخضـر،
كلـّـُها مثل زمـرّد وياقـوت!
وأضاف لمعـاناً على السَّـماء
وصيّـر الجبالَ الزرقَ تبعد وتبعد،
حيث أنّي افتـتاناً ذ ُهلتُ وولدتُ من جديد،
نظرتُ فوراً إلى الرسّام، ونظرتُ فوراً إلى الصّورة.
***
هكذا برهنتُ لك حقـّاً،
أنني أفهم حرفة اليد هذه جيداً،
قالها وأكمل :
ولكنَّ الأصعبَ لم يأتِ طبعـاً بعـد.
****
رسم بعد هذا برأس إصبعـه
وبعناية كبيرة عند الغابة الصّـغيـرة،
تمـاماً عند نهـايتها، حيث الشمسُ
تُـعـكَـس بقوة من الأرض اللمّـاعة،
رسم أجملَ الفتـيـات،
بتـكوين قويـم، وملابس أنيـقة،
وجنات متوردة تحت شعر أسمر،
وكانت الوجنات بلون
الإصبع الصّـغيرة التي رسمتها.
***
آه يا فتـايَ، صرختُ،
يا له من معلِّم، هذا الذي
اختارك في مدرستـه،
أنْ تكون بمثل هذه السرعة، ومثل هذه الفطرة،
فتبدأ كلَّ شيء ببراعة وتُـنهيه جيداً ؟
***
بينا أنا لا أزال في قولي، هبّتْ نُـسَـيْمـة
وحرّكتْ قمّـة الجبل،
جعّـدتْ كلَّ أمواج النهر،
نفختْ حجابَ الفتاة المتكاملة،
والذي أدهشني أكثرَ من دهشتي التي أنا فيها،
أنَّ الفتاةَ أخذتْ تُـحرِّك قدميها،
بدأتْ تمشي، واقـتربتْ من البقعـة،
التي كنتُ جالساً مع المعـلِّـم الطلـيق.
***
الآن كلّ ُ شيء، كلّ ُ شيء تحـرَّك،
أشجار، نهر وزهور، والحجاب
والقدم الرقيقة لأجمل المخلـوقات،
هل تعتـقدون حـقـّاً أنني بقيت
على صخرتي هادئـاً كصخرة دون حَـراك ؟
*
ترجمة: د. بهجت عباس
نبذة عن حياة الشاعر:
يوهان فولفجانج فون جوته Johann Wolfgang von Goethe (ولد في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر الماين في 28 أغسطس 1749- مات في فايمار في 22 مارس 1832) يعد من أشهر وأهم الشخصيات الأدبية في تاريخ الأدب الألماني والأدب العالمي. 

كتب الأشعار والمسرحيات والروايات, واهتم إلى جانب الأدب بالعلوم الفيزيائية, واشتغل بإدارة المسرح والتنظير له, وتقلد مناصب سياسية في فايمار. ويعتبر هو وشيللر قطبي الفترة الكلاسيكية في ألمانيا, التي كان مركزها في فايمار. 

من أعماله
آلام الشاب فيرتر 1774 (رواية في شكل رسائل) 
المتواطئون 1787 (مسرحية هزلية) 
جوتس فون برليشنجن ذو اليد الحديدية 1773 (مسرحية) 
بروميتيوس 1774 (قصائد) 
كلافيجو 1774 (مسرحية مأساوية) 
إيجمونت 1775 (مسرحية مأساوية) 
شتيلا 1776 (مسرحية) 
إفيجينا في تاورس 1779 (مسرحية) 
توركواتو تاسو 1780 (مسرحية) 
فاوست (ملحمة شعرية من جزأين) 
من حياتي..الشعر والحقيقة 1811/ 1831 (سيرة ذاتية) 
الرحلة الإيطالية 1816 (سيرة ذاتية عن رحلته في إيطاليا) 
المرثيات الرومانية 1788/ 1790 (قصائد) 

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9