مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 21 ديسمبر 2014

عندما يبكي الرجال فان الهم يهد الجبال...

بقلم : سعيد المرابط
يقول العباس بن الأحنف:

نزف  البـُــكاءُ دمــوعَ عينيك فاستعر

عيناً  لغيرك  دمعُها    مـــــــــدرارُ

من ذا يُعيـرُك عينهُ  تبكي  بهـــــا  ؟
ِ
أرأيت  عيناً  للبُكــاء   تُعــــــــارُ   ؟


             كانت أول دمعة رجل أراها , فأنا مازلت يافعا لم أخبر في الحياة الكثير. وكان ذلك اليوم , يوما مشؤوما. حين صاح غراب في المخيم ينذر شرا. رأيت العبرات أمطرت على خد والدي يومها. وتعجبت كثيرا فأنا لم أكن أظن صاحب الأمر والنهي في البيت قد يبكي يوما, لكن سرعان ما أدركت أن تفكيك المخيم بتلك الطريقة الشنيعة, نقطة أفاضت الكأس!.
             يومٌ إختلط فيه الأحمر والأبيض من دماء الصحراوين بخيامهم. كما يختلط الأحمر والأبيض في كؤوس شايهم. يومٌ نجح فيه مَن وصفهم المغرب يوما, ( برعاة الغنم ), مِن حيث لم يقصدوا، أن يغيروا وجه العالم العربي، من أقصاه إلا أقصاه. فبخل عليهم برد الجميل والإعتراف بحقهم في براءة إختراع معادلةٍ كوّنت شرارة الربيع العربي.                  
              عشرون ألف خيمة. تأوي أضعاف هذا العدد في عمل نضالي سلمي، لم نسمع به من قبل!!! . لكن في " گديم إزيك " كانت حقيقةً لا تعبيرَ مجاز!
             هناك في آخر مستعمرة بالقارة السوداء كانت رقعة منها قد إكتست البياض لونا ذا معنيين, أحدهما يحمل طابعاً سلمياً والآخر كان الرفض مغزاه,  رفض لكل أنواع التهميش والفقر والمعاناة , رفض للدخلاء ، رفض لأي مطرقة أو سندان أرادا تحطيم جدار وحدة شعب , من الظلم ولّد المعجزات , شعب إختار صورة  الحياة البدائية على الحياة العصرية, ورجع بالتاريخ إلى نقطة البداية حين خرج من سبقوه للجوء فتسابق هو للنزوح , ففضل أن يتحالف مع الطبيعة على أن يكون حليفاً للشيطان , فانهار الهرم الاجتماعي كاشف هشاشتة و ضعفه ,  ليتساوى الجميع على أرض كانت خصبة لزراعة الوطنية رغم جفاف وتّصحرالارض.
            يفترشون من الفراش أردأه، ويأكلون ما يكاد يسد الرمق ، قليل من الخبز، علب سردين وقنينات ماء كتب عليها بالبند العريض عبارة " باهيا " و جوّ الوحدة هناك كان أبهى من الماء المعدني نفسه , و في مقابل تلك الوحدة توحدت الشاحنات بالجيوش والمدرعات وكل كلاب المخزن ، حين دوت صفارة الخروج من مخابئها لتقف في وجه من قالوا للمحتل في وجهه " لا "، كي تحول الإحتجاج إلى إحتجاز. رابط الصحراويون هنالك قرابة شهر ورابطت ذئاب تحاصرهم نفس المدة، حتى صاح غراب في سواد الليل أن أخلو المخيم. ولم يكن ذلك صوت نذير ولا بشير بل كانت لغة مشفرة ظاهرها به الرحمة وباطنها من قبله العذاب، تعني أمرا للعساكر وآلياتها أن تتحرك. لتبدأ عملية دفن الحقيقة قبل أن تطلع الشمس.وحتى إن تساءلت عن ما يحدث فلن تجد غير التهليل والتكبير والصراخ والعويل وهدير الطائرات وصوت الرصاص مجيباً. كانت معركة تدور رحاها بين جانبين تختلف موازين القوة بينهم بحيث لا تترك لك مجالاً للمقارنة مع وجود ذلك الفارق. لكن المعادلة إعتدلت عندما إزداد إلى الإنسان الصحراوي عنصران " الحق والإرادة ".بفضلهما دحرت فئة من الصحراويين المحتل المغربي وجبروته إلى مزبلة التاريخ، وأوقعت نظام الرباط في حيص بيص.فقد تقزمت أحلامه بأن تذوب الهوية الصحراوية في كنف المملكة المغربية.
يوم كان لونه الدخان وصوته الموت، فلو إستطاعت تلك الخيام أن تتكلم، لما إستطعت أنت أن تستمع. هزمنا أو إنتصرنا لا يهم المهم أنّا إنتفضنا بإرادتنا وكرامتنا دون منّة من أحد، فبعد إتفاق " وقف إطلاق النار "كان لا بد لتضحيات غالية أن تبذل لتعود إلينا كرامتنا هيبتنا ففي تلك المدة التي لم تكن بالطويلة كنا سادة أنفسنا والصحراء , إلا أن جاء الهجوم المباغت. الذي كان الصحراويون قد وقفوا ضده بكل ما يملكون من قوة و وسائل، لكن الطغاة صوروا الحدث من زاويتهم وكانوا محترفين، فقد أخذت الأفلام المصورة وهي تظهر من كانوا بالأمس سلميين، قتلة وأعداءً للسلام. وكان مصير من أعتقلوا من التعذيب في مخافر ودهاليز أجهزة المحتل ما يختزله تاريخ البشرية من أساليب للتعذيب. حتى الفاحشة مورست عليهم. يرويها لنا من عادوا من براثن الإعتقال فتقشعر الأبدان من ويل ما رأوه.عرب مسلمون يقتادهم عرب مسلمون من أجل أن ينعم الشعب المغربي بالنقاهة النفسية دون وجه حق.من أجل أن يمتص نظام القصر الغضب الجماهيري للشعب المغربي إن سأل أو تسائل عن ضحاياه. الذين صورهم الإعلام المُضلَلُ والمُضَلِل على أنهم شهداء الواجب الوطني بينما هم لم يكن فيهم واحد لم يأتي إلى بلادنا الا غازنا. من أجل أن تبقى للمملكة هيبتها دون وجه حق. براعة في أداء الكذب قام بها كراكيز السادس لكي تنطلي الحيلة على الشعب المغربي، يستحقون عليها من الجانب المنهجي كل إحترام، بقدر ما يستحقون من الجانب الأخلاقي كل إحتقار. فقد سوقوا الفكرة بكل حرفية فكان الجاني ضحية، والضحية جاني. أما من مازالوا إلى الآن خلف القضبان فقد كانوا أول مدنيين يحاكمون محاكمة عسكرية خرقت كل القوانين الدولية والإتفاقيات الحقوقية ولا يتكلم أحد. مثلوهم كمليشيات جزائرية دون دليل، ومثلوهم كمجرمين دون دليل. ولا توجد حرب لكي يقادوا إلى المحكمة العسكرية. أسير الحرب حقه أن يسأل عن إسمه ورتبته، والمجرم حقه ألا يتكلم إلا أمام محاميه. لكن هؤلاء الذين هم لا هذا ولا ذلك مازالوا في غياهب السجون بين العشرين سنة و المؤبد. لا هم مجرمون ولاهم أسرى حرب , فماهم؟. تفوح رائحة تعفن النظام المغربي كلما فتحت هذا الملف , كما تفوح رائحة تواطؤ دولي مع هذا النظام. فالمغرب لا يملك أي دليل يصمد أمام أي محكمة، ولا يسأل أحد ماذا تفعلون بهم حتى الآن ؟ لن يسامح التاريخ المغرب على جرائمه في الصحراء الغربية .أما ذلك اليوم فسيظل عالقاً في أذهان جميع الصحراويين لما حمله من ألم لكل ذي قلب .



موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9