شكّلت الانتخابات الرئاسية التونسية آخر الفرص أمام "الربيع العربي" كي يثبت مخالبه في بلد المنشإ ومهد "ثورة الياسمين"، لكن التحديات كانت أكبر منه ففشل وانتكس، بينما عرفت "الفلول" كيف تنقضّ على الثورة قبل فوات الأوان.
وبفوز الباجي قايد السبسي (88 سنة) الذي يوصف بأنه مرشح الثورة المضادة، وخسارةمحمد المنصف المرزوقي الذي يقدم على أنه مرشح الثورة، تكون آخر ما تبقى من قلاعثورات الشارع العربي ضد الأنظمة الشمولية ودولة الفرد وحاشيته، قد انتكست.
والسبسي لمن لا يعرفه، هو أحد رموز نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، مديرا للأمنالوطني، ثم وزيرا للداخلية، وقد حافظ على قربه من النظام حتى بعد إزاحة بورقيبة ومجيءالرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، وهو ما مكنه من رئاسة البرلمان في نهايةثمانينيات وبداية تسعينيات القرن المنصرم، قبل أن يعود مجددا إلى رئاسة الحكومة مباشرةبعد هروب بن علي من تونس في عام 2011.
ولم يعد "الربيع العربي" يستهوي الكثير، لا سيما بعد أن تمكّن أعداؤه من طمس إنجازاتهوتحويل مساره شيئا فشيئا، من حراك سلمي متحضّر وبأهداف مشروعة، إلى صدام دمويلم يجلب لدول مثل سوريا وليبيا سوى الدمار والقتل، غير أنه وبالمقابل كان دافعا لبعضالدول ومنها الجزائر، كي تطلق إصلاحات ظلت تسير بوتيرة "الربيع العربي".
وإن فشلت "ثورة الياسمين" في فرض قيمها كمشروع حضاري متمدّن، وتسويقه كعلامةمسجلة وناجحة، إلا أنها بالمقابل لم تهو بتونس إلى أتون حرب دموية، أو تسلّمها لانقلابعسكري من شاكلة ذلك الذي عاشها العالم في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم.
وبات واضحا أن جل القوى الإقليمية لم تكن تتمنى رؤية نظام عربي وليد من رحم "الربيعالربيع" ينقاد وراء إرادة شعبه نحو قيم الحرية والديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات،ولذلك لم تتردد تلك القوى المسكونة بهواجس الخوف من المستقبل، في وضع جبال منالعراقيل أمام الأنظمة التي بدأت تتشكل من رحم إرادة شعوبها، فكان التركيز في البدايةمنصبّا على مصر، لاعتقادهم بأنها محور أي تغيير في المنطقة العربية.
وبعد أن حُسم الأمر في مصر لصالح إرادة العودة إلى الوراء وتبرئة مبارك.. انتقل التركيزإلى تونس باعتبارها آخر ما تبقى من الأمثلة الناجحة لدول "الربيع العربي"، فبدأ التضييقبمحاصرة حكومة الثورة الحقيقية "الترويكا" ماليا وحرمانها من المساعدات عكس ما حدثمع حكومتي السبسي ومهدي جمعة، قبل أن يحاولوا استنساخ التجربة المصرية، بتحريكالشارع لدفع الحكومة إلى الاستقالة، وهو ما حصل.
ولم يكن هدف القوى الإقليمية هو ضرب تونس وإعادة الفلول، بقدر ما كان الهدف هوإفشال آخر ثورات الربيع العربي نصوعا، ثورة الياسمين، التي استلهمت منها بقية الشعوبالعربية، قيم مواجهة الاستبداد والديكتاتورية والموت من أجل معانقة الحرية والديمقراطية.
ومن شأن انتكاسة "الربيع العربي" في منبته أن يعطي جرعة أمل للأنظمة التي بقيت فيمنأى عنه، غير أن ذاك سوف لن يعفيها مما قد يعصف بها من عواصف غير منتظرة، مادامت المبررات التي استدعت "الربيع العربي" لا تزال قائمة.
منقول" عن الشروق الجزائرية"
منقول" عن الشروق الجزائرية"
0 التعليقات: