مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 21 ديسمبر 2014

و من" الزغب" ما "يخلع"

المعتقل السياسي : الشيخ بنكا


ذات ليلة بئيسة باردة و مظلمة بسجن سلا رقم 2 و بالضبط في الأشهر الأولى من الإعتقال .. حيث كنا نخضع لسياسة عقابية ممنهجة .. ممنوعين من رؤية الشمس و موزعين على زنازن انفرادية مجردين من كل شيء .. إبان تلك الفترة القاسية و السوداء كان قائد العسس اللعين الذين أطلقنا عليه لقب "زازا" يقود حملات تفتيش و مداهمة في أوقات متأخرة من الليل من أجل ترهيبنا و تأزيم وضعنا النفسي .. هذه الحملات المتكررة كان يشنها مرفوق بعدد كبير من العسس دائما ماكان يتجاوز العشرين .. في تلك الليلة كانت المناومة الأولى لدفعة جديدة من الحراس .. و خلال تلك الحملة المباغثة إكتفى زازا بفتح شباك صغير بباب الزنزانة عكس عادته المرضية التي تلزمه فتح الباب و إكرام السجين بما تيسر من الركل و الرفس إنتصارا لحقد أعمى يسكنه و هو الجبان الذي لا يستطيع كتابة عنترياته علينا الا و هو سكرانا حد "الكاو" .. الرعديد يستعين "بالروج" ليثبت أنه قوي و يستمتع بضرب الرجال المكبلين .. قلت أنه اكتفى بفتح الشباك و ياليته لم يكتفي بذلك و فتح الباب و دخل
فعند فتحه لشباك اسيقظت على وقع ركلة عنيفة للباب مصحوبة بصراخ : و تتتا نوووووض ا بوليزبال .. احترام ...
و احترام هاته كلمة يقصد بها الوقوف باستقامة كالتحية العسكرية ..
هرولت من السرير واقفا منتصبا بعين مفتوحة و واحدة مغلقة و خد مائل ..
لم يتكلم زازا بعد صراخه و أخذ يحملق في الزنزانة و يشتم الرائحة ككلب سلوقي .. بينما أنا أخذت بدوري أحملق في الجيش العرمرم الذي يقف خلف زازا فلم أرى من كل تلك الوجوه سوى وجه واحدا .. عجيبا .. غريبا .. فريدا من نوعه فتحت العين المغلقة لادقق النظر .. ثم أغمضتهما معا و فتحتهما .. عند التأكد مما رأيت .. أطلقت العنان للسان كي يقرأ سرا كل ما حفظت من القران مذ أول "شحطة" على الظهر أخذتها من السي الطيب فقيه مسجد الحي .. و أنا مستغرق في التلاوة صاح زازا يا صاح : جولووس .. و أغلق الشباك مغادرا ..
لم أنم ليلتها .. بقيت شاردا في ما رأيت .. تارة أصلي .. و تارة أخرى ألهج بالأدعية و الاستغفار .. لقد ظننت أنه مسني جن أو أني جننت جراء ما قاسيته من عذاب و وحدة .. مفردا في زنزانة .. ممنوع من رؤية الشمس لمدة تتجاوز الأربعة أشهر
حاولت أن أخاطب المنطق داخل عقلي .. أجابني من داخل عقلي المنطق : لا يوجد على الاطلاق انسان لون وجهه أحمر تسوده نقط سوداء مما جعله يصبح "أركط" و لون "زغبه" أحمر مستصفر أو بالأحرى أصفر مستحمر و مستحمر هنا كلمة كلمتين عند البيظان ..
هل أنا جننت فعلا .. أم فقط تخيل لي .. أم أني كنت أحلم .. و تذكرت عدة مؤلفات من أدب السجون لمعتقلين مغاربة سابقين كانوا قد عاشوا حالات مشابه شكلت بداية جنون بعض الرفاق أنذاك ..
و حتى أثبت لنفسي أني إنسان عاقل و لم أجن بعد فتحت مع السرير نقاش فكري و سياسي بل حتى ثقافي من خلال إلقائي عليه مجموعة من القصائد هههههه
إنه " لفريخ" يا صاح ههههههه
المهم أني استسلمت للنوم صباحا بعد أن أسلمت أمري لله ..
نمت ما يقارب النصف ساعة .. ليوقظني صوت الشاف : و لي ناعس .. اوقف عطي لابيل .. (لابيل هي عملية عد السجناء عند كل صباح و مساء)
وقفت مصدوما بالكاد تحملني أرجلي ..
لم أعرف كم وقفت .. هي ثواني فقط لكنها بطول الدهر ..
أجي تشد لفطور ديالك .. قالها بصوت طبيعي .. حرك شفاهه كما البشر .. بل لوح بيده مثلنا تماما .. و لما لم أجبه و لم أحرك ساكنا .. صرخ بوجهي .. واش ماباغيش تفطر ..
عندها استجمعت كل عضلات لساني لأقول له .. واش انت إنسان بحالنا اخويا
أجابني من سأعرف بعد ذلك أن اسمه عبد الحق : وشبان لمك ا لحيوان ..
ليضرب بالشباك مغلقا إياه .. و فاتحا لي بكلامه اوعية دمي الذي تخثر من شدة الحيرة ... و الخلعة ههههه
كان بودي أن أعانقه بعد حديثه معي .. و أصرخ في وجهه " ينسخ يا الريكط كتلتني بالخلعة .. "
إن التعذيب الذي طالنا بشتى اصنافه انذاك ترك أثارا في دواخلنا .. كان تعذيبا قاسيا و ممنهجا .. لكنه يا صاح لم يكسر هامة كل الرفاق و لم و لن يثنيهم عن عزمهم و تحديهم و اصرارهم ... مهما بلغت قسوته ...
ملحوظة : كتبتها العام الماضي و اعيد نشرها الان لانتشي بلذة السخرية من الخوف و الريكط و المنع من الحرية ..

موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9