البشير محمد لحسن صحفي و كانتب صحراوي |
اصبحت سيمفونية لوم الحكومات العربية على تقاعسها عن إحتضان الإخوة السوريين، الفارين من القتل و الدمار و الموت جوعا أو برداً في أحسن الأحوال، هي الرائجة هذه الأيام … صحيح أن بعض الحكومات العربية تستحق أكثر من اللوم و العتاب من دون شك، غير أن صورة التقصير لم تكتمل بعد في الإعلام العربي، الذي نسي أو تناسى، مسؤولية المجتمعات العربية، و تقاعسها هي الأخرى عن نصرة و إحتضان إخوة الدم و الدين و اللغة.
صحيح أن اللاجئ السوري يفضل الهجرة الى أوروبا التي قد تضمن له بعضا من حقوقه كإنسان، و هي الحقوق التي افتقدها في بلده، الذي قد لا يختلف بصورة او بأخرى عن معظم إن لم نقل كل البلدان العربية، غير أن تقصير الحكام هو من تقصير المجتمع، فقد خرجت الشعوب الاوروبية و منظمات المجتمع المدني في مظاهرات للترحيب بالوافدين، لتلحق بها بعد ذلك الحكومات، كحالة اسبانيا مثلا، التي ترددت حكومتها اليمينية حتى أعلنت المدن الكبرى و بعض البلديات التي يحكمها اليسار عن ترحيها باللاجئين السوريين، و توفير المأوى لهم.
لا ننكر أبداً أن غالبية الشعوب العربية تعاني من الفقر و قلة ذات اليد، و هي بالكاد تكاد تحصل قوت يومها، لكن اللاجئ الذي فر بحثاً عن الأمان ربما هو أمس حاجة ممن لهم سقف يؤويه على الأقل، و مع ذلك فالتضامن المعنوي قد يوفر بعضاً من الدفء بدلا من الصمت و إنتظار الترحيب الرسمي الذي قد لا يأتي أبداً.
ماذا لو أعلنت مثلاً بعض الأندية الرياضية العربية عن إجراء مباريات خيرية لتوفير بعض المال للمخيمات السورية، أو أن يقوم أي فنان عربي بتنظيم حفل تخصص مداخليه لتغطية بعض احتياجاتهم الأساسية، او إجراء ماراثون تضامني بإحدى العواصم او او او، فإذا لم نبادر على الاقل علينا ان نقوم بتقليد المجتمع المدني الاوروبي، في مبارداته الفريدة للتعاطي مع اللاجئين. غير ان واقع الحال مع كامل الأسف يؤكد أن أغلب المجتمعات هي تابعة لمواقف حكوماتها.
إننا مجتمعات إتكالية ننتظر أن تجود الحكومات علينا بالحريات و الحقوق و غيرها، و أن تشير لنا أن نخرج لنتظاهر دعما لخطة للتدخل هنا او لنصرة هذا او ذاك. يتم تجييش مشاعرنا و إقتيادنا كالقطيع بعد صلاة الجمعة للتظاهر متى ارادت الحكومات… فبدل التنديد في مواقع التواصل الإجتماعي على المؤمنين بقضاياهم الخروج عن صمتهم و الخروج للتظاهر، صحيح أن رد فعل الحكومات القمعية سيكون قاسياً بل و عنيفاً، غير أنها تضحية ضرورية و لابد منها، و إذا لم نكن مستعدين لها، فإننا سنبقى على هذه الحال إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، و لنلقي نظرة و لو بسيطة على تحرك معارضي الحروب في الغرب رغم إنخراط حكوماتهم فيها، أو أنصار البيئة أو غيرهم.
لم يكن تعاطي كل الحكومات العربية مع محنة اللاجئين السوريين متساوياً، إذ لابد هنا من الإشادة بجهود كل من الأردن و لبنان، على الرغم من تواضع امكانيات البلدين مقارنة ببلدان عربية أخرى. و هو الحال نفسه في أوروبا، فبين التعامل الإنساني الالماني و العنصرية المجرية تختلف مواقف الدول، و تحمسها لإحتضان اللاجئين. و قد لعبت وسائل الاعلام سواء التقليدية او الحديثة الدور الأكثر أهمية، بسردها قصص و معاناة الفارين من الحرب، طبعا مع وجود إستثناءات.
ختاما نقول أن التقاعس العربي عن إكرام و إحتضان إخوتنا من سورية الحبيبة، تتقاسم مسؤوليته المجتمعات العربية، مناصفة مع الحكام، فقد أعطتنا المجتمعات الغربية دروساً، في الإنسانية و إكرام وفادة الإنسان مهما كان دينه أو جنسيته، فما بالك بأهلنا الذين لهم حق علينا حتى و إن تقاعست حكوماتنا، فاليوم هم اللاجئون و المشردون و غداً قد يأتي الدور علينا، فالمثل الإسباني يقول “إذا بدأت لحية جارك بالقص، فقم بتبليل لحيتك”.
صحفي وكاتب من الصحراء الغربية
منقول "راي اليوم"
0 التعليقات: