مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الأحد، 20 سبتمبر 2015

صرخة في شعاب الذاكرة (قصة قصيرة)

الشاعرة و الاديبة الجزائرية
نورة سعدي

                      ليتها كانت مجرد كلمات عارضة ،هبة غضب في لحظة انفعال عابر أو ثورة حمية من رجل محب للقانون ملتزم به غيور عليه ،وقتها كنت سأعذره ،سأوبخ نفسي آلاف المرات قبل أن أحكم عليه أو أن أصنفه وفق ما أملاه علي تصرفه ذاك ،غير أن الصرخة الحانقة التي انطلقت من حنجرته جعلتني أهتز وأنتفض كعصفور ذبح دون رحمة فراح الحضور يقلبون في الطرف مذهولين مستفهمين ماذا يمكن لفتاة عزلاء مثلك أن تفعل ؟ الصرخة الغضوب والزأرة المفزعة لم تترك لي أدنى مجال في حكمي الحاسم عن طوية ذلك المخلوق الغريب الأطوار المتعجرف الذي لم يكفه أنه جاء متأخراعن موعده بأكثر من ساعة من الزمن غير عابئ بشقاء هؤلاء القوم الذين استعرالبلاط تحت أقدامهم في جحيم الطابور اللامتناهي بمصلحة البريد، حقا لقد كان الطابور طويلا على غير عادته و كان شقائي يفوق كل شقاء جراء تلك الوقفة المملة في ذلك اليوم القائظ و لم أتنفس الصعداء إلا حين أخذ مد الطابور ينحسر و يتقلص تدريجيا لأجدني وجها لوجه أمام الواجهة الزجاجية التي يقبع خلفها رجل لم أتبين ملامحه جيدا ،رجل كان مكبا على كومة من الأوراق لكنه ما لبث أن رفع رأسه و مد يده في مرونة إلى شاشة صغيرة قبالته وما أن ينتهي من مهمة التحديق والضغط على الأزرار حتى يبادر بمناداة كل فرد باسمه فيسارع المعني بالأمر لاستلام المبلغ الذي طلبه ثم يبرح المكان مفسحا الطريق لسواه من المعذبين في هذا الحيز المشحون غما بضغط الأنفاس اللاهثة ، أخيرا و بعد لأي جاء دوري قدمت له الورقة التي تخصني و طيها وضعت الصك يقتات السأم من أعصابي الهشة ولا شيء يهون علي المصاب و يخفف من وطأة ألمي و يشد من أزري سوى لغط وأنين هؤلاءالقوم الذين أوليتهم ظهري عن غير قصد ،فكلما صدرت عن أحدهم نأمة تأكد لي أنه كلنا في الهم شرق وأثناء لحظة التأمل التي أقصتني عن فوضى المكان و فيما كنت أجري مقارنات بسيطة حول أمور تتصارع عناصرها في نفسي ،في صمت الصمت وعمقه المشجي تفجرت الصرخة الحانقة لتعيدني ثانية إلى أرض الواقع ،ماهذا الذي فعلته يا أنت ؟ أنا ، أنا كررتها متلعثمة أجل رد الرجل بصرامة تتخللها عجمة إفرنجية فجحظت عيناه تفصحان عن دمامته و قبح تقاسيمه،إياك ثم إياك أن تعيدي هذا مرة أخرى زاد وعيده في إرباكي فتلفت ذات اليمين و ذات الشمال ثم نظرت في كل الاتجاهات و قدماي ترتجان رعبا و لا تقويان على حملي آملة أن أتبين مصدر انزعاجه فباءت كل محاولاتي بالفشل ولم أوفق في معرفة السبب فاستغل صاحبنا اضطرابي و قلة خبرتي و صعد من لهجة تحذيره كيف تجرأت وأقدمت على فعلتك تلك وكيل الجمهورية لا تخول له صلاحياته أن يقدم على ما قمت به؟ حينذاك جف ريقي و تيبس ،تسارع نبضي و تثلجت أطرافي بعدما دبت صفرة الموت في محياي فقلت ويلي ،لابد أنني أتيت جرما منكرا و إلا ما الذي أقحم وكيل الجمهورية هاهنا ؟ لاشك أنني ارتكبت جنحة و إلا ما كنت لأوضع في هذا الموقف الحرج ،صدقوني أنا لا أفهم السياسة بل إنني أتعمد ألا أفهمها في أحايين كثيرة لأنها تعمل دوما خارج المقرر و لذا تعرضت غيرما مرة لانتقاد الزملاء لجهلي الكثير من المسائل فقلت في نفسي مادام الموظف قد قارن بيني و بين هذا الأخير فلا ريب أن القضية شائكة لكن ما الذي يمكن أن يصدر عني أنا الحيادية التي جاءت لغرض مشروع مفاده سحب مبلغ بسيط من رصيدها الضئيل ؟لم ينهرني أحد بمثل تلك القسوة طيلة حياتي و لذا رحت أبحث عن السبب الذي جعل الرجل يخرج عن طوره و لم أهتدي إلى جواب مقنع إلا ساعة رفع يده و أشار بسبابته إلى ورقتي الثبوتية و قال بلسانه الهجين هلا تأملت جيدا ما جنت يداك،إ شرأبّ عنقي و اخترق بصري حاجز الزجاج و ركزت جيدا حيث يربض الأصبع و ما أن وقعت عيناي على ما أشار إليه حتى تبددت مخاوفي و قلت بتلقائية أهذا كل ما في الأمر؟ لم أكن أتوقع أني بردي ذاك سأؤجج ناره و أذكي جحيمه فأتلطخ فيما بعد بحممه الكاوية فأجابني مغتاظا وهو يكز على أسنانه أو تتطاولين علي و تهونين من شأن المسألة بوسعي لو أردت أن أردك على أعقابك خائبة فتضرعت إليه مخافة أن يتمادى في توبيخي،إنني لم أفعل شيئا عدا أنني ملأت الفراغ لإحساسي العميق أن هذه الأنا ليست أنا فالرسم البياني يا سيدي لم ينجح في إبراز ملامح وجهي صدقني إن طلعتي الحقيقية أسنى و أبهى لونها أزهى و خطوطها أدق و أكثر دلالة فهل عجب أن أفرض خطي ،أن أجلو الصدأ عن الإطار و أن أحيط الصورة بهالة تليق بمقامها لتشرق تقاطيعي بين أبناء طينتي وأشعر بالانتماء ،كعادته حدجني بنظرة لا تخلو من الازدراء و السخط ثم أردف بما أنك تجيدين فن الكلام أ كثر مما ينبغي ألم يكن حريا بك أن تتقصي الأخبار قبل أن تتصرفي،ألم يلقنوك أنه لا يجوز أبدا أن نغير شيئا في أوراق رسمية؟ و تمتم قاصدا أن يسمعني ما فاه به ،تبّا لكم أيها المعربون ،لم نخطئ إذ صنفناكم بالأغبياء ،ضيق أفقكم الفكري لن يحملكم بعيدا ،إن أبجديتكم متقاعسة لن يتسنى لها أبدا أن تواكب ركب المتقدمين، قلت من جديد و بحسن نية و ببراءة تامة لأنني فعلا كنت أجهل مثل ذلك الإجراء و هذا طبعا تقصير مني،لم أفعل شيئا عدا أنني ملأت الفراغ ولك أن تتأكد من أن كل شيء على ما يرام كل المعلومات صحيحة حتى أن الخط متقن لأبعد الحدود و أقرب ما يكون إلى خط الآلة الكاتبة ،كل ذلك قد يكون صحيحا يا آنسة غير أنهم لم يفوضوك في الأمر و لم تتلقي الإذن بالإضافة ،ودوت كلمة الإضافة كدوي انفجار لم يبق و لم يذر بلغت شظاياه أقصى أعماقي فتساءلت في مرارة بالغة هل كتابة اسمي ،لقبي ،تاريخ ميلادي ، جنسيتي،مقر سكناي بلغتي الرسمية إضافة ؟ما المانع لو تحدث إلي الرجل في لطف و بصرني بالخطأ في هدوء تام واستصغرت نفسي إذ سمحت لها بطرح السؤال على ذلك المسخ ،إنه كالنبتة الطفيلية التي لا بذور لها أو كالشجرة التي اجتثت من أصلها فلم تعطي ثمارا ولن يجدي بعد أن تعفنت جذورها أن تعود إلى مكانها الأول لكن ما أن وقعت عيناي على بطاقة التعريف الجديدة حتى تلاشى الألم و توقفت فجأة سياط الاسترداد التي ما انفكت تجلدني و تجندلني دون هوادة بعدما دار الزمن دورته الأزلية و ذهب الزبد جفاء و تحقق الأمل المرتجى و أينع الحلم من رحم المستحيل و ها أنذا أزهو بأنا مرفوعة الهامة تسطع فيها حروف أبجديتي و يزينها خطي العربي الأصيل عبر بطاقة هوية لا تشكو من الفصام !
.......................................................... ................
حدث هذا قبل تعريب بطاقة التعريف بسنوات قليلة


موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9