![]() |
بقلم: سعيد المرابط |
في تقاطع كل من شارعي مكة و السمارة.. تقاطعت نظرات العاشقين قديما.. عصفورا الحب زمن الشباب، المحلقان بجناحي حرارة النضال في سماء التشكيلات السرية.. فتحرك الشوق و سرت في الدم مشاعر حركت لواعج حب اغتالته أحذية العسكر؛ في دجى إحدى الليالي الموحشة.. تذكر الخمراري غيثة في فتوة شبابها و هي توزع الاعلام الوطنية.. لكن سرعان ما صدم.. و أفاق من وسن الشوق و عاد من سفر الماضي إلى صحوة العقل.. فهذه المرة كانت في يد غيثة أوراق تحمل شعار أحد الأحزاب المغربية.. لا قصاصات المنشورات التي كانت تدبجها أصابع الخمراري في سنوات الموت من أجل الحياة.. بعد السلام و السؤال عن الأحوال.. تساءل عن ملخص أحداث الفيلم الذي تحولت بطلته من مناضلة ثورية متسمة بعنف القضية و عدالتها..متدثرة بعطر الشهيد و نبل صاحب الحق.. إلى متزلفة إلى أعوان الدخلاء.. حاولت غيثة جاهدة بكل قوتها المتمثلة في إتقان فن الحديث.. المدعومة بترسانة جمال و غنج لامتناهيين..و بمهارة الحديث المحترف لا الهواية و في حركات أنثوية توزع الغواية.. أن تقنع "الخمراري"؛ أن القبيلة هي أخوية و عائلة واحدة كبيرة.. و أن الموروث الثقافي يوصي أن يكون الأخ و الأخ على أبن العم.. و يكونا مع أبن العم على الدخيل.. و أن كل افراد الشعب أبناء عمومة.. و أن المشاركة في الإنتخابات ضرورة حتمية لإثبات الوجود في المنطقة المحتلة كي لا يكون التسيير للمستوطن.. فيكون الشعب بين فكي كلابة إدارة المحتل و تسيير المعمر.. و أنطلقت كرصاص من مدفع رشاش أوتوماتيكي تسترسل في الحكي؛ محاولة توضيح أفكار هي نفسها ليست مقتنعة بها تماما.. إنما هو "التحمجي" كان مشروبا غازيا سهل عليها عملية هضمها.. أما المبادئ فقد سهل عملية هدمها.. لم يستوعب الخمراري الأمر لأن السنين التي قضاها في أقبيات المعتقلات.. و أنواع التعذيب الذي مورس عليه على اسفلت الزنازين.. و أوشام الأصفاد و السلاسل و الأنيار.. ما زالت شاهدة على جرم المحتل.. و عتبة عالية صعبة العبور إلى ما ورائها.. فالدماغ الذي يختزل صور الإغتصاب و القتل بدم بارد على اسفلت ابرد من ذلك.. و مازوخية الجلاد و هو يتلذذ بآهات و أنين آلام الويلات التي مورسة عليه و رفاق دربه المظلم؛ يرسل إشارات عدم و استحالة قبول هذه المعادلة..حيث تمتم في مونولوغ مع نفسه، أنه لا يمكن للذي خرج من بطن الموت حيا.. أن يقتل نفسه في بطن الحياة.. و ذكرها أنه حتى لو لم يكن يأمن بعدالة القضية فإنه لن يتورط مع نظام متعفن لأن اللعب بالنار لا يقود إلا إلى الإحتراق الذاتي أو التحول إلى أداة أشد حرقا من نار النظام.. و أنه لن يقبل لنفسه أن يكون ضحية في لعبة أكبر منه.. بل لا يوجد أي شيء يمكن أن يبني قناطر مصالحة بينه و بين نظام لا شرعية في تواجده على أرض الكثيب الطاهرة.. و أن حرب الإستقلال مستمرة و لن تكون هذه الإنتخابات الموبوءة هي وأد لها..محذرا أن تعددية الإنتماء وتناقضاته تؤدي الى حالة من الإنشطار في الهوية.. وإلى حالة من التمزق الوجداني عند الانسان الصحراوي الذي تتخاطفه مشاعر إنتماء اجتماعية متعارضة ومتنافرة في مختلف المستويات والاتجاهات..و هو عمل يحمل عليه العدو من اول الغزو الى اليوم ثم يقوم بسياسة فرق تسد... في عملية سخيفة لقلب الحديث دعابة قالت غيثة و هي تحترق غيظا من درس الوطنية هذا : -"الآن سنكون مع حزب الإستقلال.. و بعد ذلك نعيد الكرة في حرب الإستقلال.. و النقطة يمكن أن تكتب أو تهمل".. استشاط الخمراري غضبا مجيبا إياها أن تصحيح الأمر عائد للتاريخ و الوطن.. و أن القلم الأحمر المصحح به.. دم شهداء الحرية. و لن تكون تلك النقطة سوى مركز دائرة ترسم خطا فاصلا بين أن تكون أو لا تكون.. وهو يصيح في وجهها وقد احمرت عيناه و هو كظيم.. (لا توجد منطقة وسطى.. ما بين الجنة و النار.. ). استدار الخمراري على عجل وقد وصل آخر درجات كظم الغيظ على رتابة حديث غيثة.. و انصرف دون أن يودعها..و هو يقول في نفسه : إذا كانت رواية "منينة بلانشيه".. لمحمد ولد امين.. مرآة تعكس مشكلة الإنشطار؛ في الهوية و الإنتماء، لدى المجتمع الموريتاني.. فإن خير عنوان لرواية أخرى توثق هذه الآفة، المتجذرة في شقيقه الصحراوي هو "غيثة بن جلون"..
0 التعليقات: