مجلة الطريف الصحراوية . يتم التشغيل بواسطة Blogger.

الخميس، 17 سبتمبر 2015

اذا تزاحمت العقول خرج الصواب...

محمد فاضل محمد اسماعيل obrero













عندما نتصفح تاريخ شعبنا النضالي وما حققه من مفاخر وامجاد عبر كفاحه المرير

وبالخصوص المعاصر منه ، و ما يعترض سبيله احيانا من عثرات يتماثل جلها في القبلية ، يتضح لنا ان تصالح القديم مع الجديد يكون دائما على حساب الاخير و يتبادر لنا طرح الاسئلة التالية : ما هي القبلية ؟ و لماذا ترافقنا ؟ ، لماذا لا تختفي نهائيا ؟ . لماذا تطفو على السطح من حين لآخر ؟، ماذا يشدنا اليها او يشدها الينا ؟ و لماذا تعرقل مسيرتنا دائما و تعترض خطانا ؟...اقترح على القراء الكرام التفكير في هذه الاسئلة قصد البحث عن اجوبة ، تتزاحم فيها الافكار وتتماها فيها عقول وطنية تتوج بجواب متكامل نير يفيد مسيرتنا التحريرية المظفرة نستطيع من خلاله التغلب على نقائصنا وأسباب ضعفنا و نحولها الى عوامل قوة.
اما انا من جهتي وبعد تحياتي للقارئ الكريم ، فأرى ان معرفة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة التي ترافقنا و كأنها شبح لا يفارقنا ، فهي رأس الخيط : 
فالقبلية هي موروث اجتماعي قديم متخلف نشأ في المراحل البدائية من الحياة البشرية ، مبني على علاقة الدم ، نتج عن انصهار العشائر المهددة بالزوال ابان الحروب التي نشأت في المجتمعات البدائية بين مكوناتها العشائرية التي تقاتلت على قوتها اليومي ، و لحماية نفسها من الزوال شكلت تجمعات اكبر لزيادة قدرتها القتالية في ظروف يحتاج فيها الانسان الى قوة الحمية لضمان البقاء ، فتحولت بذلك العشائر الى قبائل ، في زمن ما قبل بداية استخدام الانسان للمنطق الذي تراكمت بموجبه تجارب انسانية تولدت عنها معارف بشرية ادت فيما بعد الى ظهور الدولة والتجمعات البشرية المنظمة ، اذ انه برز للوجود في زمن العدمية السياسية ، و هو ثاني تجمع بشري بعد تكوين العشائر ، و تشكل العشيرة بنيته الاساسية ، مما يجعله قابل الانقسام و العودة الى الوراء و التدمير الذاتي لأنه تطور غير طبيعي نتج في ظروف غير طبيعية ، بتحالف كيانات بدائية بدافع الخوف على الوجود الذاتي و حافظت بذلك على نفسها داخله مما يحول دون تسليم بعضها للبعض و عندما يزول التهديد تضعف رابطة الحلف بزوال مبرر وجودها الاصلي و تختفي العلاقة الفوقية لحساب العلاقات الأخرى و عند اول خلاف داخلي ، تبدأ بالتناحر فيما بينها بدافع العاطفة و المصلحة الضيقة التي تخفي المصلحة العامة عن الكل ، مما يجعله غير قادر على التطور ، فهو بالتالي عاجز عن تحقيق التقدم و مواكبة تطلعات الشعوب و آمالها و الوصول بها الى القفزات النوعية الضرورية الكفيلة بذلك فكل افراده لا ينقادون إلا لمصلحة ذاتية ضيقة او لخوف ما ، و عليه فهو مناف لمنطق الدولة و قد قامت اصلا على انقاضه و كانت بديلا عنه ، و نستنتج من كل ذلك ان الدولة القوية لا تقام إلا بزاله من المجتمع .
و في غمرة عجزه عن تلبية حاجيات مجتمعنا تاريخيا و محاولة من شعبنا التخلص من قيوده و التغلب على آثاره المدمرة في ظل التهديدات المستمرة التي كانت تواجهه باستمرار ، انبثق عنه تنظيم ايت اربعين الذي كان يعقد موسميا في ظروف محددة لمعالجة بعض شؤون المجتمع الملحة آنذاك و التي كانت تتطلب تدبيرا خارج الاطار القبلي ، ذلك التنظيم الذي شكل متنفسا للمجتمع ، كان له الفضل الدائم في الحيلولة دون التدمير الذاتي غير انه كانت تنقصه الشمولية و الديمومة ، و لو انه كانت تحصل في ظله بعض المكاسب غير انها تتلاشى بغيابه ، و نظرا لطبيعته غير الدائمة بالإضافة الى تخلفه ، عجز عن تحقيق آمال شعبنا الذي التمس العون من بعض جيرانه ابان المد التحرري الثوري العالمي في النصف الاخير من القرن الماضي و لم يجد فيهم ما يشفي غليله فكانت النتيجة مخيبة لآماله . مما دفع طلائعه الوطنية الى البحث عن بديل له ، منذ نهاية الخمسينات ، حين حصل على سيل من المكاسب الكبيرة التي حققها بكفاحه المرير و تضحياته الجبارة التي تلاشت هي الاخرى . و بعد مخاض عسير عبر سنوات عديدة من الجهد الجهيد استطاع تكوين تنظيمه بدءا بحركة تحرير الصحراء مرورا بالحركة الجنينية و وصولا الى الجبهة الشعبية و الوحدة الوطنية ، حيث انتقل بشعبنا من شعب مغيب ، مشتت ، ممزق ، مجهل و معزول عن العالم الى نقيض ما كان عليه ، فانخرط كل الشعب فيه واحتضنه و استكمل بذلك بقية مقوماته كشعب قادر على فرض وجوده على وطنه و انصبت بذلك كل جهوده في اتجاه تحقيق الاستقلال في مواجهة بطولية نادرة ضد الاستعمار و الغزاة و لازال يخوض غمارها حتى الان ، حيث فرض وجوده على اعدائه فاعترفوا له بحقه في تقرير المصير بعد ان كانوا ينكرونه ساعين الى ابادته ، و لو ان هذا الاعتراف كان كلمة حق يراد بها باطل يحاولون عبثا ان ينطلي عليه و هو بالمرصاد لهم ابدا. الا ان مخلفات الماضي و شوائبه من قبيل القبلية و غيرها لا تزال ترافقه و كلما غفل عنها و تراخى الا واجتاحته و حاولت حلول محل تنظيمه الوطني ، باعتبارها مألوف اجتماعي ، لان تركيبة المجتمع الاقتصادية و الاجتماعية لم تنمو وتنضج بعد بما فيه الكفاية ، مما يجعل المجتمع ارضية خصبة لذاك ، و هو الامر الذي لا شك ان اعداء شعبنا يعولون عليه للتحكم في رقابنا ، الشيئ الذي يتطلب منا دوام العناية بهذا التنظيم و صقله مما يلحق به من شوائب الماضي المألوف ، علما بأن هذه المخلفات ما هي الا فيروسات تلوث جسمنا فيصاب بالحمى ، و هو داء ما له من دواء سوى الرفع من مستوى هذا تنظيم الذي يستطيع سد السبل امام كل من يركب هذه الآفة الاجتماعية مطية لأغراضه الساسوية الضيقة . و من هنا تبرز معادلة مستديمة لا مناص منها الا بعد قطع اشواط في البناء بعد الاستقلال و هي انه كل ما زاد تحكم تنظيم الجبهة الشعبية انخفض خطر القبلية و كلما انخفض تحكم تنظيم الجبهة زاد خطر القبلية. 
وعليه فان العناية بخط الجبهة سلوكا و فكرا و التمسك بتنظيمها كإطار جامع بصورة مستمرة امر ضروري لضمان عافية مسيرتنا المظفرة نحو تحقيق الاستقلال و خلق الارضية الملائمة لبناء الدولة. فأين نحن الان من كل ذلك ؟ نطرح هذا السؤال قصد تأمل وضعنا الحالي و استنتاج سبل التغلب الدائم على هذه الاَفة التي تظل ترافقنا و لمدة طويلة من الزمن. انه لمن المعلوم ان القبلية لا تفيد المصلحة العامة في شيء و ان الجبهة الشعبية هي الاطار الجامع الذي تعلق عليه كل آمال شعبنا و تكاد تكون غناية المساء و الصباح لدى الكل و ليس من خلاف في ذلك ، و معلوم ايضا ان القبلية لا تمارس في العلن و انما تمارس في تستر و تخفي مثلها مثل اية كبيرة من الكبائر تبعا لمآرب البعض ، الا ان القبلية عندما تتفشى تصبح مستنقعا يلطخ الجميع ، ويصبح كل شخص ينعت به سواه و هو ملطخ به و يختلط الحابل بالنابل و كأن الجميع كان في الطابق الاول و نزل للأسفل و كأننا نصعد و لا نغلق الباب امام الهبوط و تصبح الخيارات مفتوحة : من شاء طلب العلى و من شاء عاد الى الوراء و يتشابه التخاذل و العلى. و المصيبة هي ان تقع بعض طلائعنا في المستنقع و تغوص فيه و تشيع تلك الفاحشة في محيطها و تنتشر العدوى فتصبح لا تقود و لا تقاد. و منه فإن افترضنا البحث عن حل من اين نبدأ ؟ . يظن البعض انه باستبدال الطلائعي الغائص بطلائعي آخر تحل المشكلة ، و لكن لسان الحال يقول : مادام المستنقع على حاله فالمشكلة هي نفسها كائن من كان ، فأين المفر اذن ؟ الصعود الى العلى هو المفر والمنجى ، الرحيل عن المستنقع و سد باب الهبوط ليتزاحم اصحاب العلى على باب الطابق الاعلى. فاين توجد مفاتيح ذلك يا ترى ؟... ادبيات الجبهة و مؤسساتها ، القائم منها و الغائب يتستحدث . و لكن كيف يا ترى ؟....
اترك الاجابة لعزيزي القارئ الكريم الذي يعنيه الامر مثلي ليمعن التفكير في ذلك و يأتي بجواب شافي ، و "اذا تزاحمت العقول خرج الصواب ". و مادام الهدف هو بناء الدولة العصرية على كامل اراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، قد نستنتج مما سبق انه لن يتأتى بناؤها الا بوجود تنظيم عصري قوي و متماسك يطمئن له الكل بعيدا عن التخلف و اسباب التشرذم ، و من جد وجد و من زرع حصد ، و من طلب العلى سهر الليالي ، فالنكون اذن في مستوى مسؤولياتنا التاريخية و النعظم بعظمة قضيتنا الوطنية المقدسة.
بقلم:محمد فاضل محمد اسماعيل obrero

موضوعات متشابهه :

0 التعليقات:

© 2013 مجلة الطريف . تصميم من Bloggertheme9